Jumat, 03 April 2009

بسم الله الرحمن الرحيم

معرفة أوقات الصيام .. أحكام و مسائل


إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله . أما بعد ..
فبين يدي القارئ الكريم ، مختصري للكتاب الجليل : معرفة أوقات العبادات ، للدكتور : خالد بن علي المشيقح . حيث أنه ما إن وقع في يدي هذا لكتاب العظيم ، و تصفحته حتى ألفيته كتاباً مفيداً جليل القدر 
و الفائدة ، خاصة و أنه جمع الأدلة و الأقوال حول أوقات مختلف العبادات عند أئمة المذاهب الأربعة . 
ثم يتبعه بالقول الراجح بعد ذكر أدلة كل مذهب مع بيان أسباب هذا الترجيح و ما يعضده . 
و كان سبب اختيار هذا الموضوع للاختصار هو :-
 1- أن المؤلف قام بجمع مادة الوقت من كتب المذاهب ، و تحريرها ، و إبرازها على الوجه الذي يسهل الاستفادة منها . و هذا بلا شك عمل عظيم لطلبة العلم المتقدمين و الذين يقومون بالدراسة و النظر في مختلف المذاهب و معرفة الأقوال و الآراء فيها ، لكن بالنسبة لنا نحن كطلبة علم مبتدئين ، صعب و كبير ، و هذا بدوره قد يؤدي إلى تشتيت ذهن الطالب و قد يخرج من المسألة دون أن يترجح لديه أو حتى يعلق بذهنه أي دليل ، خاصة و أنه مازال في بداية الطلب ، و أكثر أهل العلم ينصح المبتدئين في طلب العلم الشرعي بالتفقه على مذهب واحد - دون التعصب لهذا المذهب - حتى يتمكن منه ، و بعدها يتجه للنظر في غيره من المذاهب . 
 2- أن الحاجة في هذا العصر إلى معرفة أوقات العبادات قد ازدادت خاصة و أنه قد قل الاهتمام بطلب العلم الشرعي ؛ فضلاً عن التفقه في مختلف المذاهب الأخرى . 
 3- إن المسلم المكلف مأمور بأداء العبادات في أوقاتها المشروعة فيها ، كما أمره الشارع تبارك و تعالى ، و هذه الأوقات قد تكون أوقات أداء أم قضاء أم وجوب أم استحباب ، و لن يتأتى هذا ، إلا بمعرفة أوقات هذه العبادات . 
 4 - اقتراب حلول شهر رمضان المبارك ، و بما أن لنا إخوة يعيشون في الخارج يصعب عليهم الاتصال و الاتقاء بأهل العلم ، أو السؤال عن بعض الأحكام المتعلقة بهذا الشهر ، رغبت في أن أختصر عليهم الوقت وأن أوفر عليهم الجهد ، فاخترت من الكتاب التمهيد والباب الرابع المتعلق بأوقات الصيام .
لهذه الأسباب التي ذكرت ، و لغيرها من الأسباب كان العزم على القيام بهذا الجهد المتواضع لتقريب هذا الكتاب النفيس ، باختصاره و تهذيبه ، حيث بلغ عدد صفحات هذا الكتاب ( 1427) صفحة ، و هذا بلا شك يعتبر كتاب كبير و فينا من لا يستطيع قراءة مثل هذه الكتب الضخمة ، فحاولت اختصاره ، لعل ذلك ييسر للقارئ الاستفادة منه بأقصى درجة ممكنة .
و كان عملي في هذا البحث ما يلي :-
- تابعت المؤلف في الخطة التي سار عليها في بحثه كما هي دون تغيير ، لكن مع حذف الأقوال و الآراء 
المختلفة في المذاهب ، و اكتفيت بذكر الراجح منها مع الدليل ، و أيضاً تعليق المؤلف و إجابته عليها إن كان ثمّة تعليق أو إجابة . 
- اخترت من الهوامش و التعليقات التي في الأصل ما يخدم هذا المختصر و جعلته ضمن الكلام و التعليق ، 
و قد اخترت هذه الفكرة من أجل تقريب الكتاب إلى القارئ حتى يستمتع به دون صارف يصرفه أو قاطع يقطعه .
- عند الحديث عن المسائل المترجحة لدى المؤلف ، أذكر في الهامش مكان وجودها في الأصل ، جزءاً 
و صفحةً بصيغة - أنظر : الأصل - و عن الجزء و الصفحة فهي مثل : (1/224) أو (2/121) و هكذا . فالمثال الأول يعني : رقم الجزء و هو الأول ، مع رقم الصفحة . و المثال الثاني يعني : رقم الجزء و هو الثاني ، مع رقم الصفحة .
- لم أذكر في الحاشية تخريج الأحاديث المستدل بها في المسألة المترجحة ، ذلك لأني اكتفيت بالأحاديث الصحيحة المستدل بها في المسألة ، لكن اكتفيت بالإحالة إلى مواضعها في الكتاب الأصل ، و هذا كما ذكرت تفادياً من إثقال الحاشية ، كأن أقول مثلاً أنظر : الأصل (1/224) أو (2/121) .
- و أما عن لأحاديث الضعيفة المستدل بها في المسألة المترجحة ، فقد قمت بحذفها، لأنه لا داعي لذكرها ، تمشياً مع الاختصار . 
- و أيضاً قمت بحذف الاستدلالات التي تم مناقشتها ، و لم يتم الرد على هذا النقاش ، لأنه لا داعي لذكرها ضمن الأدلة المترجحة ، وقد تم مناقشتها و رد الاستدلال بها ، و ذلك للاختصار .
- قمت بتصحيح الأخطاء المطبعية التي وقعت أثناء طباعة الكتاب ، و هي كثيرة بشكل واضح و ملفت ، 
و لا تخفى على القارئ العادي . 
- أشرت إلى مواضع الآيات الواردة في هذا المختصر ، و ذلك ببيان اسم السورة و رقم الآية . 
ولا أزعم لنفسي العصمة من الزلل ، ولا الكمال الذي لا يداخله خلل ، فكما قال العماد الأصفهاني : إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه ، إلا قال في غده : لو غيّر هذا لكان أحسن ، و لو زيد كذا لكان يستحسن ، و لو قدم هذا لكان أفضل ، و لو ترك هذا لكان أجمل ، و هذا من أعظم العبر ، و هو الدليل على استيلاء النقص على جملة البشر . فسبحان من تفرد بالكمال ، و تنزه عن النقص و النسيان . 
و ختاماً أجد لزاماً عليّ أن أشكر كل من أعان ، أو وجه أو نصح و لو بكلمة أو إشارة لطيفة ، أو لفتة خفيفة ، لإخراج هذا العمل متكاملاً إلى القارئ الكريم .
هذا و أسأل الله جل و علا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، و أن يتقبله بقبول حسن ، و أن ينفع به ،
إنه هو ولي ذلك و القادر عليه ، و صلى الله على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين .

التمهيد
و يشتمل على أمرين :- 
الأمر الأول : تعريف وقت العبادة . الوقت في اللغة : مأخوذ من التوقيت ، و هو التحديد . 
و الوقت مقدار من الزمن مفروض لأمر ما ، و كل شيء قدرت له حيناً فقد وقته توقيتاً ، و جمعه أوقات .
و العبادة في اللغة : الطاعة . و قيل الطاعة مع الخضوع . واصطلاحاً : الزمن الذي قدره الشارع لفعل العبادة . أنظر : الأصل (1/23-24) .
الأمر الثاني : فعل العبادة المؤقتة في وقتها .
و فيه فرعان :- 
الفرع الأول : تقديم العبادة المؤقتة على وقتها .
لا تصح العبادة المؤقتة قبل دخول وقتها . فلو فعلت الصلاة - مثلاً - قبل دخول الوقت لم تصح .
قال ابن رشد : اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتاً خمسة هي شرط في صحة الصلاة .
و الدليل على ذلك :
 1- قوله تعالى{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}النساء/103 
. أي مفروضاً في الأوقات .
 2- ما سيأتي ذكره من أدلة المواقيت . 
الفرع الثاني : تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها . 
و فيه جانبان :- 
الجانب الأول : تأخيرها عن وقتها لعذر .
من أخر العبادة المؤقتة عن وقتها لعذر ، كنوم أو نسيان أو إغماء أو غير ذلك مما هو عذر في التأخير ، له فعلها بعد الوقت - إن كانت مما يشرع فعله بعد الوقت - مع سقوط الإثم إن كانت العبادة مما يجب فعله في الوقت . فمن أخر الصلاة المفروضة - مثلاً - عن وقتها بعذر النوم أو النسيان ، أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للتأخير ، فعلها بعد خروج الوقت مع سقوط الإثم بالإجماع .
و الدليل على ذلك :-
 1- حديث أبي قتادة رضي الله عنه و فيه : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها .
 2- أنه معذور بالتأخير عن الوقت فلا إثم عليه .

الجانب الثاني : تأخيرها عن وقتها لغير عذر . 
من أخر العبادة المؤقتة عن وقتها عمداً بلا عذر أثم ، إن كانت العبادة مما يجب فعله في الوقت .
و دليله : 1- قوله تعالى{فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون}الماعون/4-5 
.
 2- قوله تعالى{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}مريم/59 
. وجه الدلالة :- أن المقصود بإضاعة الصلاة هنا ، هو تأخيرها عن وقتها لا تركها بالكلية ، إذ تركها بالكلية كفر مخرج عن الملة . و لو كان مدركاً لها بعد خروج الوقت لما كان له الويل ، و لما لقي الغي .
 3- أحاديث المواقيت الآتي ذكرها . وجه الدلالة :- أنه صلى الله عليه وسلم حد لكل صلاة بداية و نهاية ، فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده صلى الله عليه وسلم آخر الوقت فائدة ، و لكان لغواً من الكلام لا فائدة فيه .
 4- قوله صلى الله عليه وسلم : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد . وجه الدلالة :- أن من صلى بعد خروج الوقت فصلاته مردودة ، لأنه ليس عليه أمر الله ، و لا رسوله صلى الله عليه وسلم .
 5- ما ورد أن سعد بن أبي وقاص قال : في قوله تعالى{الذين هم عن صلاتهم ساهون}السهو ، الترك عن الوقت . 
 6- ما ورد أن عبد الله بن مسعود قال : في قوله تعالى{الذين هم على صلاتهم دائمون}{و الذين هم على 
صلاتهم يحافظون}المعارج/23،34 
، فقال : ذلك على مواقيتها ، قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على تركها . قال تركها هو الكفر . 
 7- ما ورد عن ابن مسعود أيضاً أنه قال : إن للصلاة وقتاً كوقت الحج ، فصلوا الصلاة لميقاتها .
 8- ما ورد عن سليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الصلاة مكيال ، فمن وفى وفي له ، و من طفف ، فقد علمتم ما قيل في المطففين .
 9- ما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً يقرأ في صحيفة فقال له : يا هذا إنه لا صلاة لمن لم 
يصل الصلاة لوقتها فصل ، ثم اقرأ ما بدا لك .
و نوقش هذا الأثر : بأن نفي الصلاة هنا نفي للكمال ، لا للصحة .
و أجيب : بأن النفي إذا ورد حمل على نفي الوجود ، فإذا لم يمكن حمل على نفي الصحة ، فإذا لم يمكن ، حمل على نفي الكمال ، و هنا لا يمكن حمله على نفي الوجود .. فيحمل على نفي الصحة لإمكانه .
 11- أنه لا خلاف في أن الحج لا يجزئ في غير وقته ، و أن الصيام لا يجزئ في غير وقته ، فكذا الصلاة .
 12- أنه لا خلاف في أن الصلاة لا تصح قبل الوقت ، فكذا بعده .
 13- أن الشارع لم يجعل عذراً لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ، لا في حال القتال والخوف ، و لا في حال شدة المرض و السفر ، فشرع صلاة الخوف على وجوه متعددة ، و أمر المريض أن يصلي قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنب ، و إن قدر أن يصلي بعد الوقت قائماً ، و كذا شرع التيمم لمن كان محدثاً و عُدم الماء ، أو خاف الضرر باستعماله ، و إن قدر على الماء بعد الوقت ، و كذا من كان عرياناً و لم يجد سترة ، أو به نجاسة و لم يقدر على إزالتها ، فإنه يصلي في الوقت على حاله ، و إن قدر على السترة ، و إزالة النجاسة بعده ، و هذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها من أوكد فرائضها . اللهم إلا عند تعذر فعلها في الوقت لشدة الخوف ، بحيث لم يُتَمَكَّنْ من فعلها بأي وجه من وجوه صلاة الخوف .
 14- أن القضاء إيجاب شرع ، و الشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيُسأل من أوجب القضاء ، هل هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله تعالى بها ؟ أم هي غيرها ؟
فإن قالوا : هي . قلنا لهم : فالعامد لتركها ليس عاصياً ؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ، و هذا لا يقوله مسلم ، فإن قالوا : ليست هي التي أمره الله تعالى بها ، قلنا : صدقتم ، و في هذا كفاية ، إذ أقررتم بأنكم أمرتموه بما لم يأمره الله تعالى .
 15- أن من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ، فقد فعل معصية بالإجماع ، و من الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة .
 16- أن تخصيص العبادة بوقت معين دون غيره من الأوقات ، لا يكون إلا لمصلحة تختص بذلك الوقت دون غيره ، إذ لو كانت المصلحة في غيره من الأوقات لما كان لتخصيصه دونها فائدة ، فتخصيص الصلوات بأوقاتها المعينة ، والصوم برمضان ، كتخصيص الحج بعرفات ، و الزكاة بالأصناف الثمانية ، و قتل الكفار بالمحاربين ، فلا فرق بين الزمان والمكان و الشخص ، فكله تقييد للمأمور بصفة ، والعاري عن هذه الصفة لا يتناوله اللفظ ، فيبقى على ما كان قبل الأمر . أنظر : الأصل (1/25-38) .
















الباب الرابع : أوقات الصيام ، و الاعتكاف .
الصيام لغة : الإمساك . واصطلاحاً : التعبد لله تعالى بالإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
الاعتكاف لغة : الإقامة ، و الحبس . و اصطلاحاً : لزوم مسجدٍ لطاعة الله . (2/ 5 ) . 
و فيه فصلان :- الفصل الأول : أوقات الصيام . 
و فيه مباحث :- المبحث الأول : وقت دخول الشهر . 
و فيه مطالب :- المطلب الأول : رؤية هلال رمضان . 
و فيه مسائل :- 

المسألة الأولى : اعتبار الرؤية . 
لا خلاف بين الفقهاء في أن رؤية هلال شهر رمضان معتبرة في دخوله .
قال الكاساني : و أما بيان ما يعرف به وقت - أي شهر رمضان - فإن كانت السماء مصحية يعرف برؤية الهلال ، و إن كانت متغيمة يعرف بإكمال شعبان ثلاثين يوماً .
و قال ابن عبد البر : لا يجب صيام شهر رمضان إلاّ باستكمال شعبان ثلاثين يوماً ، إن لم يُر الهلال قبل ذلك فإن رُئي الهلال وجب الصيام .
و قال النووي : يجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين ، أو رؤية هلاله .
و قال ابن قدامة : يجب صوم شهر رمضان برؤية الهلال ، فإن لم يُر مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً .
الأدلة : 1- ما رواه ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غبى عليكم فاقدروا له .
 2- ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ، و لا تستقبلوا الشهر استقبالاً .
 3- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، و أفطروا لرؤيته ، فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين .
 4- ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤيته رمضان ، فإذا غم عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام .
 5- حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدوا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة .


المسألة الثانية : الرؤية المعتبرة . 
و فيها أمران :- الأمر الأول : رؤية الهلال يوم التاسع و العشرين . 
و فيه فرعان :- الفرع الأول : رؤيته قبل الغروب . 
لا عبرة برؤية الهلال في نهار اليوم التاسع والعشرين ، فلا يحل به فطر ، ولا يلزم به صوم . لئلا يلزم من ذلك أن يكون الشهر ثمانياً و عشرين يوماً .
الفرع الثاني : رؤيته بعد الغروب . 
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يثبت دخول الشهر برؤية الهلال بعد غروب اليوم التاسع و العشرين .
والدليل على ذلك : حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن رؤية الهلال بعد غروب اليوم التاسع و العشرين ، يثبت بها دخول الشهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الصوم أو الفطر بالرؤية والمفهوم المتبادر عند الصحابة أن الرؤية المعتبرة هو ما كان بعد غيبة الشمس في أول كل شهر ، بدليل قول عمر رضي الله عنه : فإذا رأيتموه نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية .
الأمر الثاني : رؤية الهلال يوم الثلاثين . 
الراجح و الله أعلم أنه لا يثبت به دخول الشهر مطلقاً سواء كان قبل الزوال أم بعده ، فلا يحل به فطر 
ولا يلزم به صوم ، و لكونه لليلة المقبلة . 
و الدليل على ذلك : 1- قوله تعالى{هو الذي جعل الشمس والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب}يونس/5 .
 2- قوله تعالى{والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}يس/39 
. وجه الدلالة : دلت الآيتان على أن الشهر إنما يثبت دخوله برؤية الهلال بعد الغروب ، و ذلك عندما يصير الهلال كالعرجون القديم - أي الشمراخ المعوج - حينما يظهر نوره قوساً صغيراً بعد غروب الشمس في أول كل شهر قمري .
 3- حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته . وجه الدلالة : دل هذا الحديث أنه لا يثبت دخول الشهر برؤية الهلال نهاراً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوجب سبق الرؤية على الصوم أو الفطر ، و المفهوم المتبادر عند الصحابة من رؤية الهلال التي علق عليها الصوم أو الفطر هو رؤيته بعد غيبة الشمس في أول كل شهر .
 4- ما رواه شفيق بن مسلمة قال : أتانا كتاب عمر ، و نحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية . خانقين : بلدة في العراق قرب بغداد .
 5- ما ورد أن هلال الفطر رؤي نهاراً في عهد عثمان ، فقال عثمان : أما أنا فأتم صيامي إلى الليل .
 6- ما ورد أن ناساً رأوا هلال الفطر نهاراً ، فأتم عبد الله بن عمر صيامه إلى الليل ، و قال : لا حتى يُرى من حيث يروه بالليل .
 7- ما ورد أن عبد الله بن مسعود قال : إذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا .
 8- ما ورد أن هلال الفطر رؤي قرب صلاة الظهر فقال أنس بن مالك : أما أنا فمتم يومي هذا إلى الليل .
 9- أن رؤية الهلال نهاراً تختلف باختلاف قوة نور الهلال و ضعفه ، و باختلاف قوة نور الشمس و ضعفه ؛ لأن بعض الأهلة قد يظهر نوره نهاراً مع وجود الشمس ، لعارض يعرض لها ، و البعض لا يظهر نوره مع وجودها فكانت غير منضبطة فلا عبرة بها .

المسألة الثالثة : ما تثبت به الرؤية . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : رؤية الواحد . 
و فيه فروع :- 
الفرع الأول : رؤية الفاسق . 
نص الفقهاء رحمهم الله على اشتراط عدالة الشاهد لرؤية الهلال . و على هذا لا بد أن يكون الشاهد أميناً موثوقاً بخبره ، فإن كان لا يوثق بخبره إما لتسرعه ، أو لمعرفته بالكذب ، أو ضعف بصره أو غير ذلك فلا تقبل شهادته . 
الأدلة : 1- قوله تعالى{ممن ترضون من الشهداء}البقرة/282 
. و الفاسق لا ترضى شهادته .
 2- حديث الحارث بن حاطب قال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية ، فإن لم نره و شهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما .
الفرع الثاني : رؤية العدل . 
و فيه جوانب :- 
الجانب الأول : رؤية الحر . 
الراجح و الله أعلم أنه يثبت به دخول شهر رمضان برؤية الحر مطلقاً . 
و الدليل على ذلك : 1- ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام ، و أمر الناس بالصيام .
 2- ما رواه ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال - يعني هلال رمضان - فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا غداً .
 3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم .
قال ابن حزم : فأمر عليه السلام بالتزام الصيام بتبين الصبح بأذان ابن أم مكتوم ، و هو خبر واحد .
 4- ما ورد أن علياً رضي الله عنه شهد عنده رجل برؤية هلال رمضان فصام .
 5- أنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل فيه قول الواحد كالخبر بدخول وقت الصلاة .
 6- أنه خبر ديني يشترك فيه المخبِر ، والمخبَر ، فقبل من عدل واحد كالرؤية .

الجانب الثاني : رؤية العبد . 
الراجح و الله أعلم أنه يثبت دخول الشهر برؤية العبد مطلقاً ، لأن الأصل استواء الحر والعبد في ذلك ،
إذ هو خبر ديني .
والدليل على ذلك : 
1- حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا . وجه الدلالة : دل هذا الحديث على وجوب الصيام برؤية هلال رمضان ، و هذا عام يشمل الحر و العبد .
 2- أن ما قبل فيه قول الحر ، قبل فيه قول العبد كأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 3- أن الأخبار عن رؤية الهلال خبر ديني ، فقبل من العبد كالإخبار عن دخول وقت الصلاة .
 4- أنه من أهل الفتيا ، فقبل إخباره عن رؤية الهلال كالحر .
الجانب الثالث : رؤية المرأة . 
الخلاف في هذا الجانب كالخلاف في الجانب السابق .
الجانب الرابع : رؤية الصبي المميز . 
الراجح و الله أعلم أنه لا يثبت بها دخول الشهر . و دليله : أن الصبي لا يوثق بخبره ، فلا تقبل شهادته .
الجانب الخامس : رؤية من ردت شهادته . 
الراجح و الله أعلم أنه يثبت في حقه دخول الشهر ، لأنه أحوط و أبرأ للذمة . و الدليل لعلى ذلك :
 1- قوله تعالى{فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة/185 
. و هذا عام فيمن قبل الحاكم شهادته ، أو ردها .
و نوقش : بأن معنى الآية أن من حضر منكم الشهر فليصمه ، و من غاب عنه بسفر فعليه عدة من أيام أخر ، بدليل سياق الآية . 
و أجيب : بأن شهود الشهر شامل لرؤيته و معاينته و حضوره و إدراكه ، بدليل قوله{أو على سفر} إذا المسافر غائب ليس بحاضر ، فلا يصح تفسير الشهود بحضوره فقط .
 2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا . و هذا عام فيمن قبل الحاكم شهادته ، أو ردها .
و نوقش : بان الخطاب هنا لجماعة المسلمين أن يصوموا لرؤية الهلال ، إذا ثبت شرعاً عند الحاكم ، أما انفراد أحدكم بالصيام فلا يجوز ، لقوله صلى الله عليه وسلم : صوموا يوم تصومون .
و أجيب : بأن الحديث عام ، إذ لا مخصص له ، و أما قوله صلى الله عليه وسلم : صوموا يوم تصومون ، فغير مسلم كما سيأتي .
 3- أنه تيقنه ، فلزمه صومه كما لو حكم به الحاكم . و نوقش : بأن يقين نفسه غير مسلم ؛ لأن حكم الحاكم برد شهادته قد ألغاه ، إذ حكم الحاكم هنا يلزمه كغيره .
و أجيب : بأن حكم الحاكم يكذبه ظاهراً فقط ، فلا يلزم من ذلك إلغاء يقين نفسه باطناً .
 4- أن ثقته برؤية نفسه أبلغ من ثقته برؤية غيره ، و لو أخبره غيره برؤية الهلال وجب عليه الصوم ، فوجوبه بعلمه أولى و أحرى .
 5- أن العبد إنما يعامل الله بعلمه ، فإذا علم أنه من رمضان لزمه الصوم . 

الفرع الثالث : رؤية مستور الحال . 
الراجح و الله أعلم أنه يثبت دخول الشهر برؤية مستور الحال مطلقاً ، إذ الأصل في المسلم العدالة ، 
ما لم يعلم خلاف ذلك .
و الدليل على ذلك : 1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال - يعني رمضان - فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس فليصوموا غداً . 
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على قبول رؤية مستور الحال ، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل رؤية هذا الأعرابي بعد أن علم إسلامه فقط .
 2- ما ورد أن عمر كان ينظر الهلال ، فأقبل راكب فتلقاه عمر ، فقال : من أين جئت ؟ قال : من المغرب ، قال : أهللت ؟ قال : نعم ، قال عمر : الله أكبر إنما يكفي المسلمين الرجل الواحد .
 3- أن الأصل في المسلم العدالة ، فيثبت دخول الشهر برؤيته .

الأمر الثاني : رؤية الاثنين فأكثر عند من لا يثبت دخول الشهر برؤية الواحد . 
الراجح والله أعلم عدم اشتراط كون الرؤية من اثنين ، بل يثبت دخول الشهر برؤية الواحد كما سبق .



المسألة الرابعة : توحيد حكم الرؤية . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : ذكر الخلاف في المسألة . 
إذا رؤي الهلال في بلد دون الآخر ، فلا يخلوا الأمر من أربع حالات :-
 1- أن يتحد خط الطول والعرض للبلدين .
 2- أن يختلف كل من خط الطول و العرض للبلدين .
 3- أن يتحد خط الطول دون العرض .
 4- أن يتحد خط العرض دون الطول .
الراجح و الله أعلم ، أن التفريق بين ما إذا اتحدت الخطوط أو اختلفت ، فإن اتحدت الخطوط ، أو اختلفت
اختلافاً غير مؤثر ، فالحكم واحد ، و إن اختلفت اختلافاً مؤثراً في إمكان سبق الشمس للهلال ، فإن البلد 
الغربي يتبع الشرقي من غير عكس .
و الدليل على ذلك : 
1- ما رواه كريب : أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام و قضيت حاجتها و استهل عليّ رمضان و أنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ثم ذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم و رآه الناس و صاموا و صام معاوية ، فقال : لكننا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت : أولا نكتفي برؤية معاوية و صيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه لا يثبت دخول الشهر في البلد المخالف لبلد الرؤية في مطلع الهلال ؛ لأن ابن عباس لم يعتد برؤية معاوية و رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
و نوقش هذا الاستدلال من وجوه :
الوجه الأول : أنه ترك العمل برؤية أهل الشام ؛ لأنها نقلت إليه بخبر الواحد .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أن الأصل هو العمل بخبر الواحد ، كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم بخبر ابن عمر ، و الأعرابي .
الجواب الثاني : أنه احتمال ضعيف ، إذ كيف يترك ابن عباس العمل بخبر الواحد ، و هو أحد رواته .
الوجه الثاني : أن محل الخلاف هو وجوب قضاء اليوم الأول على أهل المدينة لعدم متابعتهم معاوية في الصيام ، و لم يرد في الحديث ما يدل على عدم وجوبه ، فلا دلالة فيه على اعتبار اختلاف المطالع .
و أجيب : أنه لو وجب القضاء لكتب معاوية إلى ابن عباس و أهل المدينة بثبوت رؤية الهلال عند ليلة الجمعة من أجل قضاء صوم ذلك اليوم الذي أفطروه ، و حيث لم يكن شيء من ذلك دل على اعتبار اختلاف مطالع الهلال .
الوجه الثالث : يحتمل أن ابن عباس لم يعول على رؤية أهل الشام ، لكون السماء بالمدينة آخر شعبان صحواً فلما لم يروه مع صحوها ارتاب في الخبر عن رؤية أهل الشام .
و أجيب عن هذا الوجه بجوابين :-
الجواب الأول : أنه احتمال لا دليل عليه .
الجواب الثاني : أن المدينة تقع شرق الشام ، والمسافة بينهما بعيدة فيمكن أن يُر الهلال بالشام ، ولا ير بالمدينة مع الصحو ، على أن ابن عباس لو شك في الخبر لعلل به ، لكنه عدل عن ذلك بقوله : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه .
الوجه الرابع : يحتمل أن ابن عباس أشار بقوله : هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى حديث : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا . إذا لم يرو عنه ولا غيره من الصحابة حديث صريح يفيد اعتبار اختلاف مطالع الأهلة ، فتأوله ابن عباس على أن لكل أهل مطلع رؤيتهم ، و أشار إلى ما فهمه منه بقوله : هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيكون موقوفاً لا مرفوعاً .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أن قول ابن عباس : هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جواباً لقول كريب : أولا تكتفي برؤية معاوية ، يدل له حكم الرفع ، فكان هذا الاحتمال خلاف الظاهر .
الجواب الثاني : على تقدير أن الإشارة بقوله : هكذا أمرنا رسول الله ، إشارة إلى حديث ، إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا ، ففهم ابن عباس لهذا المعنى ، و تعويله عليه في مخالفة معاوية و أهل الشام في الصوم و الإفطار ، و قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين و العلم بالتأويل ، والصحابة متوافرون بالمدينة مطلعون منه على ذلك لم ينكروا فهمه و علمه ، دليل واضح على صحة فهمه في هذا الحديث ، بل دليل على رجحانه إن لم نقل على تعينه .
الوجه الخامس : أن في زماننا الحاضر سهل توحيد الصوم و الإفطار بين الأقطار الإسلامية ، لتيسر البلاغ عن طريق المخترعات الحديثة ، أما في زمن معاوية وابن عباس فلا يتأتى التوحيد ، لتعذره فبينهما فرق .
و أجيب : بالمنع ، فإنه يتأتى ذلك ، لإمكان التدارك بعد البلاغ بالقضاء ، لكن ابن عباس أعرض عن ذلك و لم يعول إلا على رؤية مطلقة .
 2- ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى من بعد عن المدينة من المسلمين بشأن رؤية هلال رمضان أو شوال ، و إبلاغه عن الواقع ، ولا كتب إليهم يبلغهم بثبوت الرؤية عنده مع تكرار رمضان تسع سنين في حياته صلى الله عليه وسلم ، و لو كان اختلاف المطالع غير معتبر لكتب إليهم في ذلك تعاوناً على تحري الميقات .
 3- أنه ما زال في عهد الصحابة و التابعين يرى الهلال في بعض الأمصار بعد بعض و يبلغهم الخبر في أثناء الشهر ، فلوا وجب عليهم القضاء لكانت هممهم تتوفر على البحث عن رؤيته في سائر بلدان المسلمين كتوفرها على البحث عن رؤيته في بلدهم ، و لكان القضاء يكثر في أكثر الرمضانات ، و لكن لم ينقل شيء من هذا .
 4- قياس اختلاف مطالع الهلال على اختلاف مطالع الشمس في اعتبار أن كلا منهما علقت به الأحكام في النصوص الشرعية .
و نوقش من وجهين :-
الوجه الأول : بأن وجوب الصوم في بدء رمضان و نهايته علق في النص على مطلق الرؤية ، بخلاف الصلوات الخمس ، فإنه لم يرد فيها تعليق بحركة الشمس .
و أجيب : بالمنع ، فإنه ثبت تعليق حكم الصلوات الخمس بحركة الشمس بدليل قوله تعالى{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}الإسراء/78 
.
الوجه الثاني : أنه قياس مع الفارق ، إذ إن مطالع الشمس فيها حرج و مشقة لتكررها ، بخلاف مطالع الهلال فإنه لا حرج فيه ولا مشقة ، لعدم تكرره فكان المعتبر الأول دون الثاني .
و أجيب : بأن عدم اعتبار مطالع الهلال ، فإن فيه أيضاً حرج و مشقة ، و ذلك يلزم القضاء عند من لم يعلم بتقدم الرؤية إلاّ في أثناء الشهر .
الأمر الثاني : ذكر بعض الأمثلة على ذلك . 
أولاً : مثال لاختلاف البلدين في خطوط الطول و العرض :-
من المعلوم بالضرورة أن اجتماع القمر مع الشمس يقع في آن واحد من الزمان ، ولا يتعدد بتعدد النواحي 
و البلدان ؛ لأنه معتبر في الفلك و ليس من الأمور النسبية التي تختلف باختلاف الأطوال ، فإذا فرض وقت اجتماع القمر مع الشمس بالنسبة لمراكش هو الساعة ( 12 ) نهاراً ، فتكون هذه اللحظة باعتبار الجزائر هي ( 12 و 44 ) دقيقة ، و باعتبار تونس ( 1 و 13 ) دقيقة ، و باعتبار القاهرة ( 2 و 37 ) دقيقة ، و باعتبار مكة و المدينة ( 3 و 12 ) دقيقة ، و باعتبار بومباي بالهند ( 5 و 23 ) دقيقة ، و باعتبار طوكيو باليابان ( 9 و 51 ) دقيقة ليلاً ، و باعتبار هاواي ( 2 و 12 ) دقيقة بعد منتصف الليل ، و باعتبار نيويورك ( 7 و 35 ) دقيقة صباحاً ، فوقت الاجتماع واحد ، و لكنه بالنسبة لمراكش زوال ، و بالنسبة لمكة عصر ، و بالنسبة لبومباي مغرب ، و بالنسبة لطوكيو منتصف الليل ، وبالنسبة لهاواي فجر ، و بالنسبة لنيويورك شروق فبهذا و أمثاله يتبين اختلاف المطالع ، و أنه إذا رؤي في المغرب لا يمكن أن ير في المشرق إلاّ في الليلة الثانية ، لأنه ينفصل مع شعاع الشمس في المغرب قليلاً فيرى ، بينما هو مختلط مع الشعاع في المشرق لا تمكن رؤيته لما بين تلك البلاد من المسافات الطويلة مع الاختلاف في الطول و العرض .
مثال آخر : أنه لو فرض اجتماع الشمس والقمر في أول درجة من الحمل حين يكون قوس الليل و قوس النهار متساويين في كل منهما ( 12 ) ساعة ، و صادف ذلك أن كان في خط نصف ليل فاس و قلنا مثلاً : إن أقل ما يكفي من المدة التي تمكن معها الرؤية ( 18 ) ساعة من وقت الاجتماع ، فإذا جاء وقت الرؤية بفاس و هو غروبها صدق على تلك المدة أنها قد مضت ، فصارت الرؤية بالنسبة لأهل فاس ممكنة في ذلك اليوم ، و أما أهل مكة مثلاً ، فالرؤية بالنسبة إليهم مستحيلة في ذلك اليوم قطعاً ، و لا تمكنهم الرؤية إلاّ في الغد ، إذ لم يمض من وقت الاجتماع إلى غروبهم الذي هو وقت رؤيتهم إلاّ نحو ( 15 ) ساعة لكون غروبهم سابقاً على غروب فاس بنحو ( 3 ) ساعات ، إذ فضل الطولين بين مكة و فاس نحو ( 45 ) درجة و هي ( 3 ) ساعات .
ثانياً : مثال لتساوي البلدين في خطوط الطول والعرض :-
و ذلك مثل بروسيا بآسيا الصغرى ، سكدار ، و رايزان ، و كل منهما ( 39 ) درجة ، و إذ تقاربت عروضهما فإنها حول ( 40 ) درجة ، فيحكم بظهور الهلال فيهما معاً .
ثالثاً : مثال لتساوي البلدين في خط الطول دون العرض :
و ذلك مثل : تبريز فإن طولها ( 46 ) درجة و نصف ، والبصرة فإن طولها ( 47 ) درجة ، و عرض الأولى ( 38 ) درجة ، و عرض الثانية (30 ) درجة . 
و هنا يحتمل ظهور الهلال فيهما معاً .
رابعاً : مثال لتبعية البلد الغربي برؤية البلد الشرقي :-
و ذلك مثل ما يراه أهل الكويت و طولها ( 48 ) درجة ، فإنه يراه أهل بغداد و طولها ( 44 ) ، و النجف 
و طولها ( 44 )، و كربلاء و طولها ( 44 ) ، و سماوه و طولها ( 45 ) درجة .
خامساً : مثال لعدم تبعية البلد الشرقي برؤية البلد الغربي :-
و ذلك مثل ما يراه أهل الكويت و طولها ( 48 ) درجة ، فليس يلزم أن يراه أهل مسقط و طولها ( 58 ) درجة ، و لا أهل الشارقة و طولها ( 54 ) درجة ، و لا القطيف و طولها ( 50 ) درجة .
المسألة الخامسة : كبر الهلال و صغره . 
الهلال يختلف في الكبر و الصغر ، و العلو و الانخفاض ، و قربه من الشمس اختلافاً شديداً ، فيجب طرح ذلك و العمل بما عول عليه الشرع ، فيكون من ليلته .
و الدليل على ذلك : ما رواه أبو البختري قال : خرجنا للعمرة فنزلنا ببطن نخلة ، قال : تراءينا الهلال ، فقال بعض القوم : هو ابن ثلاث ، و قال بعض القوم : هو ابن ليلتين ، فلقينا ابن عباس إلى أن قال : فقال - أي ابن عباس - أي ليلة رأيتموه ؟ فقلنا : ليلة كذا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه .


المطلب الثاني : إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : أن تكون السماء صحواً . 
لا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا كانت السماء صحواً ليلة الثلاثين من شعبان و لم ير الهلال ، أنه يكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً ، ولا يثبت بذلك دخول شهر رمضان .
الأدلة : 
1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غبى عليكم ، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً .
 2- ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤية رمضان ، فإذا غم عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام .
 3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الشهر تسع و عشرون ، فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين . وجه الدلالة : دلت هذه الأحاديث على أنه يكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً في حال الغيم ، ففي حال الصحو من باب أولى .
المسألة الثانية : أن لا تكون السماء صحواً . 
الراجح والله أعلم أنه لا يثبت به دخول شهر رمضان ، و أنه لا يثبت دخول الشهر إذا كانت السماء مغيمة ليلة الثلاثين من شعبان ، بل يحرم صومه ؛ لأنه يوم الشك الذي نهي عن صومه .
ثم اختلفوا فقيل يحرم صومه ، و قيل يكره ، و قيل يستحب ، و قيل يجوز ، و قيل يجوز احتياطاً إن كان من رمضان فهو فرض ، و إلا تطوع . 
و الدليل على ذلك : 
1- ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، و أفطروا لرؤيته ، فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين . و هذا نص في محل النزاع .
و نوقش هذا الاستدلال من وجهين :-
الوجه الأول : أن قوله : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ، هذا مما انفرد به آدم عن شعبة ، و إلاّ فقد ورد من طرق أخرى كثيرة متعددة و ليس فيها فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ، فلعل آدم ذكره على سبيل التفسير .
و أجيب : بأن آدم ثقة ، و الزيادة من الثقة مقبولة .
و رد هذا الجواب بأمرين :-
الأمر الأول : أنه لم يذكر هذه الزيادة عدد كثير ، لا يجوز على مثلهم في عددهم و ضبطهم أن يتركوها ، 
و يضبطها واحد لا يقاربهم في الفضل والضبط .
ونوقش هذا الأمر : بأن آدم ثقة ، و المثبت مقدم على النافي .
الأمر الثاني : أن الزيادة إنما تقبل إذا زاد الواحد على لفظ الجماعة ، أما إذا غير لفظ الجماعة علم أنه خالف لفظهم ، و لم يزد عليهم .
و نوقش : بأن ألفاظ حديث أبي هريرة مختلفة ففي بعضها : فأكملوا العدد ، و في بعضها : فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين ، و في بعضها : فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ، و في بعضها : فغن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً إلى آخره ، فآدم لم يخالف لفظاً مجمعاً عليه .
الوجه الثاني : أنه محمول على الإغمام من الطرفين ، و ذلك بأن يغم هلال رمضان فنعد شعبان تسعة 
و عشرين يوماً ثم نصوم ، فيحول دون مطلع هلال شوال غيم ليلة الحادي والثلاثين ، فإنا نعد شعبان من الآن ثلاثين و نقدر رمضان ثلاثين ، و نصوم يوماً ، فيصير الصوم واحداً وثلاثين .
و أجيب عن هذا الوجه بجوابين :-
الجواب الأول : أنه لا أصل لهذا التأويل ، ولا دليل عليه .
الجواب الثاني : أن هذا التأويل يؤدي إلى موافقة الرافضة الذين يتقدمون الناس في الصوم والفطر ، يتأولون قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته ، و أفطروا لرؤيته ، أن المراد تقديم الصيام للرؤية ، و تقديم الفطر للرؤية .
 2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، و أفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين .
ونوقش : بأن معنى الحديث عدوا رمضان ثلاثين لا شعبان ، بدليل الرواية الأخرى لأبي هريرة : فصوموا ثلاثين يوماً ، فيعود الضمير في قوله : فعدوا ، إلى هلال شوال لأنه أقرب مذكور .
و نوقش هذا الاستدلال من وجهين :-
الوجه الأول : المنع ، فقوله صلى الله عليه وسلم : فعدوا ، يقتضي إكمال العدة في هلال الصوم ، و في هلال الفطر ، إذ الصوم والفطر قد تقدم ذكرهما جميعاً ، واللفظ مطلق فلا يجوز تقييده ، إذ لو اختلف حكم الهلاليين لبينه صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثاني : أن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى : فصوموا ثلاثين ، بيان لحكم غم هلال شوال و ذكر بعض أفراد العموم لا يقتضي التخصيص .
 3- ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الشهر تسع و عشرون ليلة ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غم فأكملوا العدة ثلاثين .
 4- ما رواه ابن عباس أنه قال : عجبت ممن يتقدم الشهر ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا 
رأيتم الهلال فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين .
 5- ما رواه حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ،
ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة .
و نوقش : بأنه محمول إذا لم يكن غيم .
و أجيب : بأنه صرف للفظ عن ظاهره بلا دليل .
 6- ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤية رمضان فإذا غم عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام .
 7- ما ورد أن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه لا يصام يوم الشك ، و يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون منظره غيم أو قتر فهو يوم شك .
و نوقش هذا الاستدلال من وجهين :-
الوجه الأول : أنه محمول على الشك إذا لم يكن غيم .
وأجيب : أنه في عدم الغيم لا يكون شكاً ، لزوال ما يمنع من رؤية الهلال .
الوجه الثاني : أنه محمول على من صامه تطوعاً أو عن نذر أو قضاء .
و أجيب : أن المفهوم من عموم النهي عدم صومه بحال إلاّ إذا وجد دليل آخر .
 8- ما ورد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين .
 9- ما ورد أن حذيفة رضي الله عنه ، كان ينهى عن صوم يوم الشك .
 10- ما ورد أن ابن عمر قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت ذلك اليوم الذي يشك فيه من رمضان .
 11- ما ورد أن ابن عباس قال : افصلوا ، يعني بين صوم رمضان و شعبان بفطر . 
 12- أنها عبادة لم يتيقن دخولها ، فلم تفعل في وقت الشك كالصلاة .
 13- أنه شكٌ في طلوع الهلال ، فلم يشرع معه الصوم كالشك في الصحو .

المطلب الثالث : الحساب الفلكي . 
و فيه مسائل :- 
المسألة الأولى : الاعتماد على الحساب الفلكي . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : ثبوت دخول الشهر بالحساب الفلكي . 
الراجح و الله أعلم انه لا يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي مطلقاً . 
و الدليل على ذلك : 
1- قوله تعالى{يسألونك عن الأهلة ، قل هي مواقيت للناس و الحج}البقرة/189 .
وجه الدلالة : أن الهلال علم على القمر إلى ليلتين ، و هو علم على الشهر ، فلا اعتبار بالحساب بعد أن نصب الله القمر علامة ، فبطلوع كل هلال يبدأ شهر ، و ينتهي آخر ، و هذا معنى كونها مواقيت .
 2- قوله تعالى{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب} يونس/5 .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية أن مواقيت بدور القمر ، لا بدور الشمس ، فكون القمر نوراً ، و الشمس ضياء ، لا يوجب علم ذلك تقدير منازل القمر ، ففي القمر معنى زائد - لم يتعلق بالشمس حكم العلم بالحساب ؛ لأنه سبحانه لم يذكر انتقال الشمس في البروج بمقابل دورة القمر في منازله - و عليه فكل ما يوجبه الله من صوم و حج و عدة و رضاع ، إنما يضبط بحالات الهلال في زيادته و نقصانه .
 3- ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنا أمة أمية ، لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا ، و هكذا ، و هكذا ، و عقد الإبهام في الثالثة ، و الشهر هكذا و هكذا ، يعني تمام الثلاثين .
و هذا نص صريح في عدم الاعتماد على الحساب ؛ لأن قوله : إنا أمة أمية خبر تضمن نهياً ، فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته لا تحسب ، و من حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم ، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين ، فيكون فَعَلَ ما ليس من دينها ، فيكون محرماً .
و نوقش : بأن معنى الحديث نفي معرفة الحساب دون نفي اعتبار الحساب ، والاعتماد عليه ، بدليل قوله : ولا نكتب ، إذ لا يصح أن يقال : ولا نعتبر الكتابة ، فقوله : ولا نكتب ، قرينة قائمة على نفي المعرفة ، 
و أنه ليس من شأن العرب دون نفي الاعتبار .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أن معنى قوله : ولا نكتب نفي الكتابة المتعلقة بأيام الشهر التي يستدل بها على طلوع الهلال 
و استسراره ، لا نفي الكتابة مطلقاً ، إذ في الكلام ما يبين المقصود من الكتابة المنفية و هي قوله : الشهر ثلاثون ، و الشهر تسع وعشرون ، فدل على أن المراد أنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتابة ولا حساب ، إذ هو تارة ثلاثون ، و تارة تسع و عشرون و الفرق بينهما الرؤية فقط .
الجواب الثاني : أنه لا يصح أن يكون المراد بالنفي هو نفي المعرفة ؛ لأن الأمة التي بعث الله فيهم من يقرأ 
و يكتب كثير ، فقد كان له صلى الله عليه وسلم كتاب عدة ، كأبي بكر و عمر و عثمان و علي و زيد 
ومعاوية ، يكتبون إلى أعماله و سعاته و غير ذلك ، و فيهم من يحسب و قد بعثه الله بالفرائض التي فيها الحساب ، فدل على أن المراد نفي الاعتبار المتعلق بطلوع الهلال .
 4- ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأقدروا له .
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم علق ثبوت دخول الشهر و خروجه بالرؤية فقط ، فإن غم فإكمال العدة ، و لم يعول على الحساب مطلقاً .
 5- أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة ، أولا يرى البتة على وجه مطّرد .
الأمر الثاني : رد شهود الرؤية بالحساب الفلكي . 
الراجح والله أعلم أنه يثبت دخول الشهر بالبينة المعتبرة ، ولا عبرة بالحساب . 
و الدليل على ذلك :- ما تقدم ذكره من الأدلة على عدم اعتبار الحساب .

المسألة الثانية : ظنية الحساب الفلكي . 
و ذلك للأمور الآتية :
 1- أن قطعية الحساب لا تقبل إلاّ بنتائج تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته ، و إطّرادها ومدى سلامة مقدماته شرعاً ، و هذا لو جَعل الشرع المصير إليه . والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليُكسب إفادته اليقين ، إلاّ شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني ، و الأدلة المادية الآتية تقدح في مؤدى شهادتهم و تقوى بنفي نظرائهم في الفلك من عدم إفادته اليقين ، كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة ، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلاّ من مبرز في العدالة الشرعية .
 2- قيام دليل مادي في الساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط ، و ذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة رمضان أو شهر الفطر مثلاً ليلة كذا ، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة ، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها .
و منه ما حدث في هلال الفطر شهر شوال من عام 1406 هـ ، فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت ( 30 ) من شهر رمضان ، فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة ، عاليتها و شمالها و شرقها ، و رؤي في أقطار أخرى من الولايات الإسلامية . 
فهذا دليل مادي حاضر مشاهد على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية و ضعيفة غالباً ، و هذا في ساعة المعاصرة التي ينادي فيها البعض إلى الاعتماد على الحساب ، و ليس هذا الدليل إلاّ إعلاناً على عدم صدق شهادة الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم قطعي .
 3- و من شواهد المعاصرين على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم بموجب الحساب الفلكي ، و الفارق بينها و بين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة ، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة ؟ و هذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد مما يقطع كلٌ بفساده و قد بسط ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدخل على المسلمين من تلاعب في شعائرهم ، من جنس ما يحصل من أهل الكتابين ، و غيرهم ، إذ كانت الأحكام عندهم معلقة على الأهلة ، ثم جعلوها دائرة على السنة الشمسية على اصطلاحات لهم و من جنس النسيء الذي كان عند العرب على ضربين ، الأول : تأخيرهم المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات ، و الثاني : تأخيرهم الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية ، كما يعلم من تفسير قوله تعالى{إنما النسيء زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا }الآية .
 4- و دليل آخر في ساعة المعاصرة و هو : التضارب الحاصل بالنتائج و التقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين ، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات أوائل الشهور ، و ما زال اختلافها قائماً في الولاية الواحدة ، و من ولاية إلى أخرى . فهذا دليل على دفع يقينيته ، أو طنيته الغالبة .
 5- أن الطب مثلاً ف العصر الراهن بلغ من الدقة والترقي ما هو مشاهد لعموم الناس ، و مع هذا فيقع لذوي البصارة فيه و من دونهم من الخطأ و الغلط ما يكون ضحيته نفساً معصومة ، أو منفعة أو عضواً محترماً ، و هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العامة فيه من سمع و بصر و لمس فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال نادراً و لم تكن نتيجته فاشية باليقين ، و لوازمه غير محسوسة ؟ إذاً فكيف يسوغ التحول من المقطوع بدلالته بحكم الشرع ، إلى المظنون ، و من المتيقن ، إلى المشكوك في نتيجته ؟
 6- الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة ، و الراصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحيتها و نتائجها أي خلل فني فيها ، قد لا يشعر به الراصد . و هذا فيه ظنية من حيث الآلة .

المسألة الثالثة : منابذته للشرع . 
و ذلك من وجوه :- 
أولاً : حقيقة الشهر عند الفلكيين هي : المدة بين اجتماع الشمس و القمر مرتين بعد الاستسرار و قبل الاستهلال ، و هذه المدة مقدرة عندهم بمقدار واحد هو : ( 29 ) يوماً و ( 12 ) ساعة و ( 44 ) دقيقة .
و تمثل هذه المدة دورة القمر حول الأرض ، أي دورته الاقترانية بالشمس ، بحيث يكون القمر واقعاً بين الأرض و الشمس تماماً و عند اللحظة التي يغادر القمر فيها وضع الاقتران أي ينفصل فيها القمر عن الدائرة الشعاعية ، و يستمر إلى أن يجتمع معها مرة ثانية ، حينئذ يبدأ الشهر القمري الفلكي ، و الاقتران عند الفلكيين هو ما يسمى بالمحاق عند المتقدمين ، و اعلم أنه في حال الاقتران لا يرى القمر ؛ و ذلك لأن نصف القمر المضيء يكون في اتجاه الشمس ، و نصفه المظلم يكون في اتجاه الأرض ، و لكن عندما يتحرك القمر بعيداً عن وضع الاقتران يتغير وضع القمر بالنسبة لسكان الأرض ، و تظهر حافة القمر لامعة والتي هي قوس دقيق بشكل هلال . و هذه هي حقيقة الشهر عند الفلكيين ، و هذا مقداره عندهم .
أما حقيقته الشرعية : فهي الرؤية له عند الغروب أي أول ظهور القمر بعد السواد ، و هذا بالإجماع كما سبق .
و مقدار الشهر القمري الشرعي هو : لا يزيد عن ( 30 ) يوماً ، ولا ينقص عن ( 29 ) يوماً .
و عليه فهناك فروق بين الاعتبارات الشرعية ، و الاعتبارات الفلكية في عدة أمور :-
 1- الشهر يبتدئ عند الفلكيين قبل البدء بالاعتبار الشرعي و نتيجة لذلك فهو ينتهي قبل .
 2- الشهر مقدر بوحدة زمنية ثابتة عند الفلكيين هي ( 29 ) يوماً و ( 12 ) ساعة و ( 44 ) دقيقة ، أما بالاعتبار الشرعي فهو إما ( 30 ) يوماً ، أو ( 29 ) يوماً .
 3- أن الشهر يبتدئ باعتبار الشرع : بطريق الحس والمشاهدة بالعين الباصرة ، أو بالإكمال بخروج الهلال حقيقة ، أما باعتبار الفلكيين فهو : بتقدير خروجه لا بخروجه فعلاً .
 4- عند الفلكيين لا فرق أن يتم الاقتران و الانفصال ليلاً أو نهاراً ، فلوا جعل الاقتران والانفصال قُبيل الفجر فاليوم عندهم هو بُعيد الفجر مباشرة ، و لو حصل أثناء النهار ، فإن الشهر يبتدئ في اللحظة التالية له ، أما باعتبار الشرع فالمعتبر الرؤية بعد الغروب ، فلوا رؤي نهاراً بعد الزوال فهو لليلة المقبلة ، ولا يصام ذلك النهار الذي رؤي فيه ، أما إذا رؤي نهاراً قبل الزوال فالجمهور منهم الأربعة أنه لا عبرة بذلك و يكون لليلة المقبلة ، كما سبق .
ثانياً : دلالة النصوص النصية على أن إثبات أول الشهر بالإهلال أو الإكمال إذا لم ير الهلال وحال دون منظره قتام أو سحاب ، فلو صار اللجوء إلى الحساب الفلكي و قرر الحساب أن الشهر سيهل بمضي ( 29 ) يوماً لصار هذا ملغياً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكمال و قاضياً على موجب النص .
ثالثاً : أن صاحب الشرع جعل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب ، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم فألجأ الشرع إلى سبب شرعي آخر هو : إكمال العدة ثلاثين يوماً التي هي أقصى مدة للشهر القمري بنص الشرع .
أما الحساب ففيه منابذة لهذا ، إذ جعل تقدير خروج القمر من الشعاع سبباً للصوم ، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، ولم يقل لتقدير خروجه عن شعاع الشمس ، فطالما أن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم أشعر بحصر السبب : الإهلال ، أو الإكمال ، و لم ينصب صاحب الشرع الحساب لخروجه سبباً ، فلا يجب صوم ولا فطر .
رابعاً : أن الشرع وقت أول الشهر بأمر طبيعي عام يدرك بالأبصار فلا يضل أحد عن دينه ، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحة ، ولا يدخل بسببه فيما لا يعنيه ، ولا يكون طريقاً إلى التلبيس في دين الله ، 
و يستوي في معرفته أهل الإسلام كافة على اختلاف طبقاتهم .
و إثباته بالحساب الفلكي يفقد هذه المحاسن الشرعية ، كما هو بيّن لمن تأمله . الأصل ( 2/ 7 - 90 ) . 










المبحث الثاني : وقت خروج الشهر . 
و فيه مطالب :- 
المطلب الأول : رؤية هلال شوال . 
و فيه مسائل :- 
المسألة الأولى : اعتبار الرؤية . 
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يثبت خروج شهر رمضان برؤية هلال شوال .
الأدلة : 
1- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا .
 2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته ، و أفطروا لرؤيته .
 3- ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : عجبت ممن يتقدم الشهر ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا .
 4- ما رواه حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة .

المسألة الثانية : ما تثبت به الرؤية . 
و فيه أمران :- 
الأمر الأول : رؤية العدل . 
و فيه فرعان :- 
الفرع الأول : خروج الشهر برؤية العدل بالنسبة لغيره . 
الراجح والله أعلم أنه لا يثبت خروج الشهر برؤية العدل .
و الدليل على ذلك : 
1- حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و فيه : فإن شهد شاهدان فصوموا و أفطروا .
وجه الدلالة : دل مفهوم قوله : و أفطروا ، أنه لا يثبت خروج الشهر برؤية العدل الواحد .
و نوقش : بأنه مفهوم شرط مختلف في الاحتجاج به .
و أجيب : أن الصحيح من أقوال الأصوليين أنه حجة .
 2- حديث الحسين بن الحارث الجدلي و فيه : فإن لم نره ، فشهد شاهدان عدلان نسكنا بشهادتهما .
و نوقش : بأنه وارد في دخول شهر رمضان ، بدليل قوله : نسكنا ، أي تعبدنا بالصيام .
و أجيب : بأن التنسك شامل لدخول الشهر و خروجه ، فالنسك بدخول الشهر يكون بالصيام و صلاة التراويح ، و غير ذلك ، و النسك بخروج الشهر يكون بالفطر و زكاة الفطر و صلاة العيد و غير ذلك .
 3- ما رواه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : اختلف الناس في آخر يوم من رمضان ، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهل الهلال أمس عشية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا ، و أن يغدوا إلى مصلاهم .
 4- ما رواه شفيق بن سلمة قال : أتانا كتاب عمر و نحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية .
 5- أنها ليست بمال ولا يقصد منها المال ، و يطلع عليها الرجال غالباً فاعتبر فيها الاثنين كسائر الشهادات .
الفرع الثاني : خروج الشهر برؤية العدل بالنسبة له . 
الراجح والله أعلم أنه لا يثبت في حقه خروج الشهر ، إلاّ إن كان وحده ، لأن الأصل بقاء الشهر ، 
و هو أحوط و أبرأ للذمة .
أولاً : الدليل أنه لا يثبت في حقه خروج الشهر إذا كان مع الجماعة :-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه : صومكم يوم تصومون ، و فطركم يوم تفطرون .
ثانياً : الدليل على أنه إذا رآه و كان منفرداً ثبت ف يحقه خروج الشهر :-
ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتموه فصوموا ، و إذا رأيتموه فأفطروا .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن من كان منفرداً عن الجماعة يفطر برؤية هلال شوال ، لعموم الحديث بخلاف من كان مع الجماعة ، فإنه لا يفطر لما تقدم من الأدلة على ذلك .

الأمر الثاني : رؤية العدلين فأكثر . 
الراجح والله أعلم أنه يثبت خروج الشهر برؤية العدلين مطلقاً ، لصراحة السنة في ذلك .
و الدليل على ذلك :- ما تقدم ذكره من الأدلة على أن الشهر يخرج برؤية العدلين ، دون العدل الواحد . 
المسألة الثالثة : من انتقل إلى بلد يخالف بلد الرؤية في دخول الشهر . 
الراجح والله أعلم أن له حكم البلدة التي انتقل إليها ، فيصوم معهم ، و يعيّد معهم ، فإن صام أقل من تسعة و عشرين يوماً قضى ما نقصه . 
و الدليل على ذلك : 
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صومكم يوم تصومون و فطركم يوم تفطرون .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن المعتبر هو البلدة التي انتقل إليها ، لأنه صار من جملة أهلها ، فيصوم بصومهم ، و يفطر بفطرهم .
 2- ما ورد أن ابن عباس أمر كريباً بان يقتدي بأهل المدينة .

المطلب الثاني : إكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : إذا ثبت دخوله برؤية عدل واحد . 
الراجح والله أعلم أنه يثبت خروج الشهر بإكمال عدة رمضان ثلاثين مطلقاً ، لحجية رؤية العدل .
و دليله : أن رؤية العدل حجة شرعية ثبت دخول الشهر بها ، فيثبت خروج الشهر بعد إكمال العدة ثلاثين .
المسألة الثانية : إذا ثبت دخوله برؤية عدلين . 
الراجح والله أعلم أنه يثبت خروج رمضان بإكماله ثلاثين يوماً مطلقاً . 
و الدليل على ذلك : 
1- حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و فيه : وإن شهد شاهدان فصوموا و أفطروا .
 2- ما تقدم ذكره من الأدلة بإكمال العدة ثلاثين يوماً .
وجه الدلالة : أن الشهر ثبت ببينة معتبرة شرعاً ، و قد أمرنا بإكمال العدة فأكملناها ، فوجب الفطر .
 3- أن الشهر لا يزيد عن ثلاثين يوماً .
 4- أن شهادة العدلين يثبت بها الفطر ابتداءً ، فتبعاً لثبوت الصوم أولى .

المطلب الثالث : الحساب الفلكي . 
و قد سبق الكلام بعدم اعتباره مطلقاً . الأصل ( 2/ 91 - 110 ) .

المبحث الثالث : وقت أداء الصيام . 
و فيه مطالب :- 
المطلب الأول : أول الوقت . 
الراجح و الله أعلم أنه من بعد طلوع الفجر الثاني ، لصراحة القرآن والسنة ، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة . 
و الدليل على ذلك :
 1- ما رواه عدي بن حاتم قال : لما نزلت{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}عمدت إلى عقال أسود ، و إلى عقال أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي ، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، فقال : إنما ذلك سواد الليل ، و بياض النهار .
 2- ما رواه بن سعد قال : أنزلت{و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} البقرة/187 
و لم ينزل{من الفجر} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض ، 
و الخيط الأسود ، و لم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله{من الفجر} فعلموا أنه إنما يعني الليل 
و النهار .
 3- ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . 
و أذان ابن أم مكتوم عند طلوع الفجر .
 4- ما رواه سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل ، هكذا يستطير هكذا .

المطلب الثاني : آخر الوقت . 
لا خلاف بين أهل العلم أن آخر وقت الصيام هو غروب الشمس .
الأدلة : 
1- قوله تعالى{ثم أتموا الصيام إلى الليل}البقرة/187 
. و الليل يدخل بغروب الشمس .
 2- حديث عمر رضي الله عنه أنه قال : إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم . 

المطلب الثالث : وقت النية . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : وقت النية في الصيام الواجب . 
الراجح والله أعلم أنه جميع الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر مطلقاً .
لكن شيخ الإسلام قال : إذا لم يعلم بالوجوب إلا من النهار كبلوغ الصبي و إسلام الكافر ، و قيام البينة بالرؤية أثناء النهار صحت النية من النهار ، و صح صومه و إن أكل .
و كذلك أيضاً إذا كان الصوم الواجب متتابعاً كصوم رمضان ، أو كفارة قتل فتكفي نية واحدة في أول الصيام ما لم يقطعه بعذر .
و الدليل على ذلك : 
 1- حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يبيت الصيام فلا صيام له .
و نوقش هذا الدليل : بأنه نفي للكمال لا للصحة .
و أجيب : بأن النفي إذا ورد يحمل على نفي الوجود ، فإذا لم يكن يحمل على نفي الصحة ، ولا يمكن هنا حمله على نفي الوجود ، لوجود الصيام ، فيحمل على نفي الصحة .
 2- ما ورد أن ابن عمر قال : لا يصوم إلاّ من أجمع الصيام من الليل .
 3- ما روي أن حفصة قالت : لا يصوم إلاّ من أجمع الصيام قبل الفجر .
واستدل شيخ الإسلام على أن وقت النية يستمر إلى أن يعلم الوجوب من النهار ، إن لم يكن عالماً قبل ذلك :-
 1- ما رواه سلمة بن الأكوع أنه عليه السلام أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ، و من لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن وقت النية يستمر إلى أن يعلم بالوجوب من النهار ، لأن يوم عاشوراء كان واجباً على المسلمين قبل نسخه برمضان ، و قد صامه الصحابة من النهار بأمره صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالوجوب قبل ذلك ، و لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالقضاء .
و نوقش هذا الاستدلال من وجهين :-
الوجه الأول : المنع ، فصيام يوم عاشوراء لم يكن واجباً ، بدليل ما رواه معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه ، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم ، فإني صائم فصام الناس .
و أجيب بأجوبة :-
الجواب الأول : أن حديث معاوية صريح في نفي استمرار وجوبه ، و أنه الآن غير واجب ، ولا ينفي ذلك 
وجوباً متقدماً منسوخاً ، بدليل أن معاوية سمع هذا الحديث بعد الفتح ، لأنه أسلم عام الفتح ، و صيام يوم عاشوراء نسخ وجوبه بصيام رمضان ، و رمضان فرض في السنة الثانية .
الجواب الثاني : أن هذا النفي للوجوب عام في الزمان الماضي و الحاضر فيخص بأدلة الوجوب في الماضي .
الجواب الثالث : أنه إنما نفى أن يكون فرضه مستفاداً من جهة القرآن ، بدليل قوله : إن الله لم يكتبه علينا ، فالواجب الذي كتبه الله على عباده بقوله{كتب عليكم الصيام}البقرة/183 
، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن يوم عاشوراء لم يكن داخلاً في هذا المكتوب الذي كتبه الله علينا ، دفعاً لتوهم من يتوهم أنه داخل في ذلك.
الوجه الثاني : أنه لو كان فرضاً لما صحت النية من النهار ، بدليل حديث حفصة السابق .
و أجيب : أن النية صحت من النهار ، لأن الواجب تابع للعلم ، و وجوب عاشوراء إنما علم من النهار ، 
و حينئذ فلم يكن التثبت ممكناً ، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به ، و إلاّ كان تكليفاً بما لا يطاق و هو ممتنع ، و لذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم أهل قباء ، بإعادة الصلاة التي صلوا بعضها إلى القبلة المنسوخة ، إذ لم يبلغهم وجوب التحول ، و كذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم ، إلاّ من النهار لا يأمر بالقضاء لعدم العلم بسبب الوجوب .
المسألة الثانية : وقت النية في صيام التطوع . 
الراجح و الله أعلم أنه من غروب الشمس إلى الزوال مطلقاً معيناً أم لا ، لكن يستثنى من ذلك الصيام المعين من التطوع فنيته من الليل ، كصيام ستة أيام من شوال ، و يوم عرفة و غيرها لأن من صام يوم عرفة من منتصفه لا يسمى أنه صام يوم عرفة إلاّ إذا نواه قبل الفجر . 
و الدليل على ذلك : 
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : يا عائشة هل عندكم شيء ؟ فقالت : لا فقال : إذاً أصوم .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ النية من النهار ، بدليل قوله : إذاً أصوم .
و نوقش هذا الاستدلال من وجهين :-
الوجه الأول : بأنه لا دلالة فيه أنه عليه السلام أصبح مفطراً ثم نوى الصيام بعد ذلك ، بل إنه صلى الله عليه وسلم نوى الصوم من الليل ، بدليل قول عائشة في آخر الحديث : ثم أتانا يوماً آخر ، فقلت : يا رسول الله أهدي لنا جبن ، فقال : أرينيه ، فلقد أصبحت صائماً فأكل .
و أجيب : بأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : إذاً أصوم ، أنه ابتدأ نية الصيام من حين سأل عن الطعام ، 
و لم يجده ، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا ذلك عنه كما سيأتي بيانه .
و أما قول عائشة : ثم أتانا يوماً آخر ، فهو حكم آخر يدل على أن من أصبح صائماً متطوعاً يباح له الفطر ، ولا علاقة له بجواز إيقاع النية من النهار .
الوجه الثاني : أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : إذاً أصوم ، مجرد الإمساك فقط .
و أجيب : أن الكلام المطلق يحمل على الحقيقة الشرعية في عرف المتكلم به ، و الحقيقة الشرعية في الصوم هي التعبد لله بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
 2- ما ورد أن حذيفة قال : من بدا له الصوم بعدما تزول الشمس فليصم .
 3- ما ورد أن ابن مسعود قال : إن أحدكم بأحد النظرين ما لم يأكل أو يشرب .
 4- ما ورد أن ابن عباس ، أنه كان يصبح حتى الظهر ، ثم يقول : والله لقد أصبحت ما أريد الصوم ، و ما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم و لأصومن يومي هذا .
 5- ما ورد أن أبا هريرة ، كان يطوف بالسوق ثم يأتي أهله ، فيقول : عندكم شيء ؟ فإن قالوا : لا ، قال : أنا صائم .
 6- ما ورد أن عائشة قالت : إني لأصبح يوم طهري حائضاً ، و أنا أريد الصوم فأستبين طهري فيما بيني 
و بين النهار ، فأغتسل ثم أصوم .
 7- أن جميع الليل وقت النية الواجب ، فكذا النهار للتطوع .
 8- أن النية صحت من النهار طلباً لتكثيره ، و هذا أبلغ في التكثير .
المطلب الرابع : وقت السحور . 
السحور : - بالفتح - اسم لما يتسحر به من الطعام ، و الشراب . - و بالضم - الفعل نفسه .
و فيه مسائل :- 
المسألة الأولى : أول الوقت . 
الراجح والله أعلم أن الظاهر من السنة أن وقت السحور آخر الليل قبل الفجر ، فما كان كذلك فهو سحور.
المسألة الثانية : آخر الوقت . 
الخلاف في آخره ينبني على الخلاف في أول وقت الصيام ، و قد تقدم في المطلب الأول من المبحث الثالث .
المسألة الثالثة : وقت الاستحباب . 
المستحب هو تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر . 
الأدلة : 
1- ما تقدم ذكره من الأدلة على أن وقت السحور آخر الليل .
 2- أنه يقصد بالسحور التقوي على الصيام ، و ما كان أقرب إلى الفجر ، كان أعون على الصوم . 

المطلب الخامس : وقت الفطور . 
الفطور : اسم لما يفطر عليه .
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : وقت الجواز . 
لا خلاف بين الفقهاء في أن وقت الإفطار يدخل بعد تحقق غروب الشمس .
دليله : 
1- قوله تعالى{ثم أتموا الصيام إلى الليل}البقرة/187 
. و الليل يبدأ بعد غروب الشمس .
 2- حديث عمر رضي الله عنه أنه قال : إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم .
و إقبال الليل و إدبار النهار بغروب الشمس .
تنبيه : من استقل طائرة ، ثم اطلع بواسطة الساعة ، أو غير ذلك عن إفطار البلد القريبة منه و هو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة ، فليس له أن يفطر .
و قد ذكر السبكي أن بعض الحنفية سئل أن الشمس تغرب على الإسكندرية و من كان على منارتها يراها طالعة ، فأجاب : يحل لأهل البلد الفطر ، ولا يحل لمن على منارتها .
و الدليل على ذلك قوله تعالى{ثم أتموا الصيام إلى الليل} . و هذه الغاية لم تتحقق في حق من يرى الشمس . 
المسألة الثانية : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه من بعد تحقق الغروب . 
و الدليل على ذلك : 
1- ما رواه سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر .
و التعجيل إنما يكون عند دخول وقت الفطر بغروب الشمس .
 2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، إن اليهود والنصارى يؤخرون .
 3- ما رواه أبو عطية قال : دخلت أنا و مسروق على عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين ، رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ، و يعجل الصلاة ، و الآخر يؤخر الإفطار و يؤخر الصلاة ، فقالت : أيهما الذي يعجل الإفطار ، و يعجل الصلاة ؟ قلنا : عبد الله بن مسعود ، قالت : كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 4- ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي .
 5- ما ورد أن علياً رضي الله عنه كان يفطر إذا غربت الشمس ، ثم يصلي . 
 6- ما ورد أن حذيفة ، إذا غابت الشمس لبث قليلاً ثم أفطر .
 7- ما ورد أن ابن عباس كان يفطر إذا غابت الشمس قبل أن يصلي .
 8- ما رواه عمرو بن ميمون قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس فطراً ، و أبطأهم سحوراً . الأصل ( 2/ 111 - 142 ) .

المبحث الرابع : وقت القضاء .
و فيه مطالب :- 
المطلب الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من غروب شمس يوم عيد الفطر . 
أولاً : الدليل على أن يوم الفطر ليس وقتاً للقضاء : 
 1- حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صومين ، يوم الفطر و يوم النحر .
 2- حديث عمر بن الخطاب أنه قال : يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم ، و اليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم .
ثانياً : الدليل على أن ما بعد يوم العيد وقت للقضاء :-
قوله تعالى{فعدة من أيام أخر}البقرة/185 . وابتداء العدة من بعد يوم العيد للنهي عن صوم يوم العيد كما تقدم .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
ليس لآخر وقت القضاء حد ، لأن الأصل عدم التحديد ، و لم يرد تحديده .
المطلب الثالث : وقت الوجوب . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : بيانه . 
الراجح والله أعلم أنه عند بقاء ما يتمكن به من القضاء ، قبل رمضان الثاني ، لظاهر القرآن و السنة .
و الدليل على ذلك : 
1- قوله تعالى{فعدة من أيام أخر} .
وجه الدلالة : 
1- دلت هذه الآية على تراخي قضاء رمضان ، لأن الله أوجبه في عدة من الأيام مطلقة غير مقيدة بزمن .
 2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون علي الصوم فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على تراخي القضاء لفعل عائشة رضي الله عنها ، و إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها ، لأن الظاهر إطلاعه صلى الله عليه وسلم .
و نوقش : بأن تأخير عائشة رضي الله عنها القضاء إلى شعبان لأنها معذورة بدليل ما جاء في الحديث . 
قال يحيى : الشغل بالرسول صلى الله عليه وسلم .
و أجيب : بأن هذا الكلام مدرج من قبل يحيى ، و يدل له قوله : فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و دليلهم على وجوب القضاء عند بقاء ما يتمكن به من القضاء : 1- حديث عائشة السابق .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على وجوب القضاء عند بقاء ما يتمكن به من القضاء ، لأن عائشة رضي الله عنها لم تؤخر القضاء عن ذلك ، و لو جاز لأخرته .
 2- أن الصوم عبادة متكررة ، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية ، كالصلوات المفروضة .

المسألة الثانية : ما يترتب على تأخير القضاء عن وقت الوجوب . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : أن يكون التأخير لعذر . 
من أخر قضاء رمضان عن وقت وجوبه حتى أدركه رمضان الثاني قبل إتمام القضاء ، فلا شيء عليه .
و دليله : أنه معذور غير مفرط ، ولا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها .
الأمر الثاني : أن يكون التأخير لغير عذر . 
الراجح والله أعلم أنه لا يلزمه شيء ، و لو أخره عدة رمضانات سوى الإثم ، إذ الأصل براءة الذمة من الكفارة .
أولاً : الدليل على عدم وجوب الكفارة : 
1- قوله تعالى{فعدة من أيام أخر}البقرة/185 .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه أوجب القضاء في عدة أخر ، و هذا شامل لقضائها بعد رمضان الثاني ، و لم يوجب كفارة .
 2- ما ورد أن ابن مسعود قال : - فيمن أدركه رمضان الثاني قبل القضاء - يصوم هذا و يقضي الأول . 
و لم يذكر إطعاماً .
 3- أن الأصل براءة الذمة ، و الإيجاب حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي و لم يرد .
 4- أنه صوم واجب ، فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كالأداء والنذر .
ثانياً : الدليل على أنه يأثم :- لأنه أخر القضاء عن وقت وجوبه ، بلا عذر .
المطلب الرابع : تقديم التطوع على القضاء . 
الراجح والله أعلم أنه لا يجوز تقديم التطوع على القضاء ، لكونه أسرع في إبراء الذمة ، و أحوط للعبادة ، 
و لكن لا يمنع هذا من جواز التطوع قبل القضاء لظاهر فعل عائشة رضي الله عنها ، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لها . 
و الدليل على ذلك : 
1- حديث ابن عباس و فيه : اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء .
وجه الدلالة : دل قوله : فالله أحق بالوفاء ، أنه لا يجوز التطوع قبل القضاء ، لأنه إذا كان الله أحق بالوفاء لزم أن لا يتقدم عليه التطوع .
 2- ما ورد أن رجلاً سأل أبا هريرة قال : إن عليّ أياماً من رمضان أفأصوم العشر تطوعاً ؟ قال : لا ابدأ بحق الله ثم تطوع بعد ما شئت .
المطلب الخامس : جواز تفريقه . 
الراجح والله أعلم أنه يجوز تفريقه . 
و الدليل على ذلك : 
1- قوله تعالى{فعدة من أيام أخر}البقرة/185 .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على جواز تفريق القضاء و تتابعه ؛ لأن الله أوجبه في عدة من الأيام مطلقة عن قيد التتابع .
 2- ما ورد أن أبا عبيدة بن الجراح سئل عن قضاء رمضان ، فقال : احص العدة ، واصنع ما شئت .
 3- ما ورد أن رافع بن خديج كان يقول : احص العدة ، و صم كيف شئت . 
 4- ما ورد أن معاذ بن جبل كان يقول : احص العدة ، و اصنع ما شئت .
 5- ما ورد أن أبا هريرة قال : لا بأس بقضاء رمضان متقطعاً .
 6- ما ورد أن ابن عباس قال : صمه كيف شئت .
 7- ما ورد أن أنساً قال : إن شئت فاقض رمضان متتابعاً ، و إن شئت متفرقاً .

المطلب السادس : القضاء في عشرة ذي الحجة . 
الراجح و الله أعلم أنه يجوز القضاء في عشرة ذي الحجة بلا كراهة ، إذ الأصل عدم الكراهة .
و الدليل على ذلك : 
1- قوله تعالى{فعدة من أيام أخر}البقرة/185 .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على جواز القضاء في عشرة ذي الحجة ، بلا كراهة لعموم الآية .
 2- ما ورد أن عمر بن الخطاب كان يستحب القضاء في عشر ذي الحجة .
 3- أنها أيام عبادة فلم يكره القضاء فيها كالعشر الأول من المحرم .
 4- أن الكراهة حكم تكليفي شرعي ، يفتقر إلى الدليل الشرعي ، و لم يرد .
المطلب السابع : القضاء في أيام التشريق . 
الراجح والله أعلم أنها ليست وقتاً للقضاء ، إذ النهي عن صيامها يقتضي تحريم صيامها مطلقاً ، فلا تكون وقتاً للقضاء . 
و الدليل على ذلك : 
1- حديث نبيشة الهذلي مرفوعاً ، أيام التشريق أيام أكل و شرب .
 2- حديث كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ، و أوس بن الحدثان أيام التشريق : فنادى أن لا يدخل الجنة إلاّ مؤمن ، و أيام منى أيام أكل و شرب .
 3- حديث أبي مرفوعاً : أيام منى أيام أكل و شرب .
 4- حديث علي مرفوعاً : أنها ليست أيام صيام ، إنها أيام أكل و شرب و ذكر .
 5- حديث ابن عمر : أنه أتى بطعام فدنى القوم ، و تنحى ابن له ، فقال له : أدن فاطعم ، فقال : إني صائم فقال : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها أيام طعم و ذكر .
 6- ما ورد أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على أبيه ، فوجده يأكل قال : فدعاني ، قال : فقلت له : إني صائم ، فقال : هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن ، و أمرنا بفطرهن .
 7- أنه إعراض عن ضيافة الله لعباده . الأصل ( 2/ 143 - 168 ) .



المبحث الخامس : توقيت الصيام للبلدان ذات خطوط العرض العالية .
و فيه مطالب :- 
المطلب الأول . 
البلدان التي تقع بين خطي عرض ( 45 ) و ( 48 ) درجة شمالاً و جنوباً ، و تتميز فيها جميع العلامات الكونية للأوقات في أربعة و عشرين ساعة ، طالت الأوقات أو قصرت .
فالحكم هنا : أنه يلزم الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع فجرهم إلى غروب شمسهم .
و الدليل على ذلك : عموم قوله تعالى{و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتموا الصيام إلى الليل}البقرة/187 .
المطلب الثاني . 
البلدان التي تقع فوق عرض ( 66 ) درجة شمالاً و جنوباً ، إلى القطبين و تنعدم فيها العلامات الكونية للأوقات ، في فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً . 
فالحكم هنا : كالحكم في توقيت الصلاة ، و قد سبق أن ذكرت الخلاف مع الاستدلال ، و بينت أن الراجح أنها تقدر جميع الأوقات - و من ذلك الصيام - في هذه البلدان بأقرب البلدان التي تتميز فيها العلامات الكونية ، و ذلك خط عرض ( 45 ) درجة .
المطلب الثالث .
البلدان التي بين خطي عرض ( 45 ) و ( 66 ) درجة شمالاً و جنوباً ، و تنعدم فيها بعض العلامات الكونية للأوقات في عدد من أيام السنة ، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ وقت العشاء حتى يتداخل مع الفجر . و الحكم في هذا المطلب : كالحكم في المطلب السابق . الأصل ( 2/ 169 - 170 ) .

المبحث السادس : توقيت الصيام لمستقلي المراكب الفضائية والغواصات . 
و فيه مطلبان :- 
المطلب الأول : توقيت الصيام لمستقلي المراكب الفضائية . 
توقيت الصيام لمستقلي المراكب الفضائية كتوقيت الصلاة ، و قد سبق أن بينت انهم يلحقون - بالنسبة لتوقيت الصلاة - بالقسم الثالث من أقسام البلدان ذات خطوط العرض العالية - و هي التي تنعدم فيها الظواهر الكونية لفترة طويلة من السنة - إذ إن مستقلي المراكب الفضائية يتكرر لديهم طلوع الشمس 
و غروبها عدة مرات ، فلا يمكنهم الإستفادة من الظواهر الكونية بالنسبة للتوقيت .
الراجح أنه يصلي حسب توقيت بلده ، و عليه فيصوم حسب توقيت بلده . و يمكن معرفة دخول الوقت و خروجه عن طريق الآلات الحديثة .
المطلب الثاني : توقيت الصيام لمستقلي الغواصات . 
توقيت الصيام هنا كتوقيت الصلاة ، و على هذا فإنهم يلحقون بالقسم الثالث من أقسام البلدان ذات خطوط العرض العالية - بالنسبة للصلاة - و هذا إن كانت الغواصة غير متحركة ، و كذا الصيام .
و إن كانت متحركة فإنهم يلحقون بمستقلي المراكب الفضائية - بالنسبة للصلاة - و كذا الصيام .
و يمكن معرفة الوقت عن طريق الآلات الحديثة . الأصل ( 2/ 171 - 172 ) . 
نكمل اليوم بإذن الله ما توقفنا عنده من أهم الأحكام المتعلقة بأوقات الصيام .

المبحث السابع : الشك في دخول الوقت أو خروجه .
و فيه مطلبان :-
 المطلب الأول : الشك في دخول الشهر .
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : أن لا يجتهد في معرفة الشهر . 
من اشتبه عليه شهر رمضان كالأسير أو المحبوس في مطمورة لزمه الاجتهاد ، فإن صام بلا اجتهاد لم يجزئه ، 
و إن وافق رمضان .
و دليله : القياس على من اشتبه عليه وقت الصلاة أو القبلة ، فصلى بلا اجتهاد ، فإنه لا يجزئه مطلقاً .
المسألة الثانية : أن يجتهد في معرفة الشهر . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : أن لا يتضح الأمر . 
إذا اجتهد من اشتبه عليه الشهر و صام ، و لم يتضح له أنه تقدم رمضان أو تأخر عنه ، فإنه يجزئه .
والدليل على ذلك : 
1- أنه أدى فرضه باجتهاد ، فأجزأه كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد .
 2- أن الظاهر من الاجتهاد الإصابة .
الأمر الثاني : أن يتضح له الأمر . 
و فيه فروع :- 
الفرع الأول : أن يوافق الشهر ، أو ما بعده . 
الراجح والله أعلم أنه يجزئه ، عدا الأيام التي لا يصح صومها ، لتمشيه مع يسر الشريعة و سماحتها .
و دليله : بأنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله ، كالصلاة في يوم الغيم إذا اشتبه وقتها و وافقه أو ما بعده .

الفرع الثاني : أن يوافق ما قبل الشهر . 
الراجح والله أعلم أنه لا يجزئه ، لأنه أدى العبادة قبل أن يخاطب بها ، فانقلبت نفلاً .
و دليله : بأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم تجزئه كالصلاة يوم الغيم قبل الوقت .
الفرع الثالث : أن يوافق بعض رمضان . 
إذا وافق بعض رمضان دون بعض ، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه ، و ما وافق قبله لم يجزئه .
و يجري في هذا الفرع الخلاف السابق في الاجزاء و عدمه .
الفرع الرابع : أن يوافق الليل دون النهار . 
إذا صام من اشتبه عليه الوقت بالاجتهاد ، فوافق الليل دون النهار لزمه القضاء .
و دليله : أن الليل ليس وقتاً للصوم فلم يجزئه .
المطلب الثاني : الشك في اليوم . 
و فيه مسألتان :- 
لمسألة الأولى : الشك في دخول الوقت . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : إذا لم يتضح الأمر . 
اختلف فيمن تناول مفطراً مع الشك في طلوع الفجر و لم يتضح له الأمر ، و الراجح و الله أعلم أن الوقت 
لم يدخل ، فيصح الصيام ، ولا قضاء ، لأن الأصل بقاء الليل .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم ، و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}البقرة/187 .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن وقت الصيام لا يدخل إلاّ بتبين طلوع الفجر ، و قد يكون شاكاً قبل التبين ، فلوا كان الوقت داخلاً بالشك لحرم عليه الأكل و لزمه القضاء .
و نوقش : بأنه معنى{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} أي حتى يقرب تبين الخيط الأبيض .
و أجيب : بأنه صرف عن ظاهره بلا دليل .
 2- حديث ابن عمر : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم .
و أذان ابن أم مكتوم عند طلوع الفجر ، فدل على جواز الأكل إلى تبين الفجر مطلقاً شك أم لا .
 3- ما ورد أن أبا بكر رضي الله عنه قال : إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما .
 4- ما ورد أن عمر رضي الله عنه قال : إذا شك الرجلان ، فليأكلا حتى يستيقنا .
 5- ما ورد أن ابن عمر أخذ دلوا من زمزم ، و قال لرجلين : أطلع الفجر ؟ قال أحدهما : قد طلع ، و قال الآخر : لا . فشرب ابن عمر .
 6- ما ورد أن ابن عباس قال : كل ما شككت حتى يتبين لك .
 7- أن الأصل بقاء الليل فله الأكل ، ما لم يتبين له خلاف هذا الأصل .
الأمر الثاني : إذا اتضح الأمر . 
و فيه فرعان :- 
الفرع الأول : إذا تبين عدم دخول الوقت . 
من أكل شاكاً في طلوع الفجر ، ثم تبين له عدم طلوعه ، فلا أعلم خلافاً بين الأئمة الأربعة في أنه لا يجب عليه القضاء .
و دليله : أن الأكل لم يصادف وقت الصيام ، و إنما صادف وقته ، و هو الليل .
الفرع الثاني : إذا تبين دخول الوقت . 
الراجح والله أعلم أن الوقت لم يدخل ، فالصيام صحيح ، ولا قضاء لأنه مأذون له في الأكل مع الشك 
و الأصل بقاء الليل . 
و الدليل على ذلك :- ما تقدم ذكره من الأدلة على جواز الأكل مع الشك حتى يتبين طلوع الفجر .
وجه الدلالة : دلت هذه الأدلة على أنه من أكل مع الشك في طلوع الفجر ، ثم تبين له طلوعه أن صيامه صحيح ، لأنه قد أذن له في الأكل مع الشك ، و ما ترتب على المأذون غير مضمون .
المسألة الثانية : الشك في خروج الوقت . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : إذا لم يتضح له الأمر . 
لا أعلم خلافاً بين الأئمة الأربعة في أن من أكل ، و هو يشك في غروب الشمس ، و لم يتضح له الأمر أن وقت الصيام له يخرج ، أنه يلزمه القضاء ، مع الإثم .
والدليل على ذلك : 
1- أن وقت الصيام لم يخرج مع الشك في غروب الشمس .
 2- أن الأصل بقاء النهار .
الأمر الثاني : إذا اتضح له الأمر . 
و فيه فرعان :- 
الفرع الأول : إذا تبين له عدم خروج الوقت . 
حكم هذا الفرع كحكم الأمر الأول ، إذا لم يتضح له الأمر .
الفرع الثاني : إذا تبين له خروج الوقت . 
من أكل و هو شاك في غروب الشمس ثم تبين له الغروب ، فلا أعلم خلافاً في صحة صيامه ، مع الإثم .
و دليله : أنه أتم الصيام المأمور بإتمامه إلى الليل .
و أثم ، لكونه أكل مع الشك ، و الأصل بقار النهار . الأصل ( 2/ 173 - 185 ) .

المبحث الثامن : العمل بغلبة الظن في دخول الوقت أو خروجه .
و فيه مطلبان :- 
المطلب الأول : العمل بغلبة الظن في دخول الشهر أو خروجه . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : العمل بغلبة الظن في دخول الشهر . 
و صورة ذلك : أن يخبره شخص برؤية هلال رمضان فيغلب على الظن صدقه .
الراجح والله أعلم أنه يعمل بغلبة الظن في دخول الشهر مطلقاً ، إلاّ إن رد الحاكم شهادته ، فلا يلزم العمل بقوله ؛ لأن رد شهادته يورث الشك فيها . 
و دليله : بأن الخبر عن دخول الشهر خبر ديني فيعمل فيه بغلبة الظن كالخبر بدخول وقت الصلاة .
المسألة الثانية : العمل بغلبة الظن في خروج الشهر .
و صورة ذلك : أن يخبره شخص أو أكثر برؤية هلال شوال .
يعمل بغلبة الظن في خروج الشهر إذا ثبتت الرؤية عند الحاكم ، وإلاّ فلا .
و ذلك : لئلا يحصل الاختلاف ، و تشتت الكلمة ، و جعل مرتبة الحكم لكل إنسان . إلاّ إن كان منفرداً عن الحاكم فيعمل بغلبة الظن ؛ لما سبق أن الراجح أن من رأى هلال شوال و كان وحده فله الفطر .
المطلب الثاني : العمل بغلبة الظن في دخول اليوم ، أو خروجه .
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : العمل بغلبة الظن في دخول اليوم .
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : في دخول اليوم . 
يعمل بغلبة الظن في دخول وقت الصوم ، فإذا غلب على الظن طلوع الفجر وجب الإمساك .




الأمر الثاني : في عدم دخوله . 
و فيه فرعان :- 
الفرع الأول : أن يتبين له دخوله . 
و ذلك بأن يعلب على ظنه عدم طلوع الفجر فيأكل ، فيتبين طلوعه .
و الراجح والله أعلم أنه يلزمه القضاء ، لأن غلبة الظن معتبرة شرعاً .
و الدليل على ذلك : 1- قوله تعالى{و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}البقرة/187 . 
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن من أكل يظن بقاء الليل ، فتبين طلوع الفجر أنه لا قضاء عليه ، لأن الله أباح له الأكل إلى تبين طلوع الفجر ، و هذا لم يتبين له الفجر ، لاعتقاده بقاء الليل .
 2- قوله تعالى{و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، و لكن ما تعمدت قلوبكم}الأحزاب/5 .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن من فعل محظوراً مخطئاً أو ناسياً لم يؤاخذه الله بذلك ، و حينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله ، فلا يكون عليه إثم ، و من لا إثم عليه لم يكن عاصياً ، ولا مرتكباً لما نهي عنه .
و حينئذ يكون قد فعل ما أمر به ، و لم يفعل ما نهي عنه ، و مثل هذا لا يبطل عبادته .
و نوقش : بأنها محمولة على رفع الإثم ، فإنها عامة خص منها غرامات المتلفات ، و انتقاض الوضوء بخروج الحدث سهواً والصلاة بالحدث ناسياً و أشباه ذلك ، فيخص هنا بما ذكرنا .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أنه قياس مع الفارق ، لأن غرامات المتلفات إن كانت حقوقاً للمخلوقين فلا تسقط إلاّ بإسقاطهم ، لكونها مبنية على المشاحة ، و إن كانت حقوقاً لله ففي سقوطها خلاف بين أهل العلم ، ولا يقاس على محل الاختلاف .
الجواب الثاني : أنه لا يعذر بخروج الحدث سهواً أو الصلاة بالحدث ناسياً ، لأن شرطية الوضوء من باب الأوامر ، و الأوامر لا تسقط بالسهو و النسيان بخلاف النواهي ، فيعذر فيها .
 3- حديث ابن عمر : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم .
وجه الدلالة : كما سبق في الدليل الأول .
 4- ما رواه عدي بن حاتم قال : لما نزلت هذه الآية{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ، عمدت إلى عقالين أحدهما أسود و الآخر أبيض ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر إليهما ، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن وسادك إذاً لعريض إن كان الخيط الأبيض و الأسود تحت وسادك ، إنما ذلك بياض النهار و سواد الليل .
وجه الدلالة : دل هذا على أن من أكل يظن بقاء الليل فتبين له طلوع الفجر ، أنه لا قضاء عليه ، لأن عدي ابن حاتم أكل بعد طلوع الفجر ، و لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، لأنه كان يظن عدم دخول الوقت .
الفرع الثاني : أن لا يتبين له شيء . 
من أكل يظن بقاء الليل ، فلم يتبين له طلوع الفجر ، فلا قضاء عليه . 
و دليله : أن الأصل بقاء الليل .
الفرع الثالث : أن يتبين له عدم دخوله . 
حكم هذا الفرع ، حكم الفرع الذي قبله .

المسألة الثانية : العمل بغلبة الظن في خروج اليوم . 
و فيها أمران :- 
الأمر الأول : حكمه . 
الراجح والله أعلم أنه يجوز العمل بغلبة الظن في خروج اليوم ، لأن غلبة الظن معتبرة شرعاً .
و الدليل على ذلك : 
1- ما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ، ثم طلعت الشمس ، قيل لهشام : فأمروا بالقضاء ؟ قال : بد من قضاء .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه يعمل بغلبة الظن في خروج الوقت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في الغيم ظناً منه أن الشمس غربت و هي لم تغرب .
 2- ما رواه زيد بن وهب قال : بينما نحن جلوس في مسجد المدينة ، و فيه : و أخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة ، فشرب عمر رضي الله عنه و شربنا ، فلم نلبث أن ذهب السحاب و بدت الشمس ، فجعل بعضنا يقول لبعض : نقضي يومنا هذا ، فسمع عمر بذلك ، فقال : و الله لا نقضيه و ما يجانفنا الإثم . عساس : العس القدح الكبير ، و جمعه عساس و أعساس .
وجه الدلالة : دل هذا الأثر على أنه يعمل بغلبة الظن في خروج الوقت .
الأمر الثاني : ما يترتب عليه . 
و فيه فروع :- 
الفرع الأول : أن يتبين عدم خروج الوقت . 
و ذلك أن يفطر ظناً منه غروب الشمس ، ثم يتبين له عدم غروبها .
و الراجح والله أعلم أنه لا قضاء عليه ، لأن غلبة الظن معتبرة شرعاً . 
و الدليل على ذلك : 
1- قوله تعالى{و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، و لكن ما تعمدت قلوبكم}الأحزاب/5 .
وجه الدلالة : كما سبق .
 2- ما روته أسماء بنت أبي بكر قالت : أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس ، قيل لهشام : فأمروا بالقضاء ؟ قال : بد من القضاء ، و قال معمر : سمعت هشاماً يقول : لا أدري أقضوا أم لا ؟ .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن من أفطر يظن غروب الشمس ، ثم تبين له عدم غروبها أنه لا قضاء عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بالقضاء ، ولو أمرهم لنقل ، لأنه مما توافر الدواعي على نقله لأهميته .
 3- ما رواه زيد بن وهب قال : بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان و السماء متغيمة ، رأينا الشمس قد غابت ، و أنّا قد أمسينا ، فأخرجت لنا عساس من لبن ، من بيت حفصة فشرب عمر رضي الله عنه و شربنا ، فلم نلبث أن ذهب السحاب و بدت الشمس ، فجعل بعضنا يقول لبعض : نقضي يومنا هذا ، فسمع بذلك عمر ، فقال : و الله لا نقضيه و ما يجانفنا الإثم .
وجه الدلالة : دل هذا الأثر على أن من أكل يظن خروج الوقت فتبين له عدم خروجه أنه لا قضاء ، لأن عمر أكل يظن غروب الشمس ، فتبين له عدم الغروب ، و أقسم على عدم القضاء .
و نوقش : بأن زيداً أخطأ فيه ، لأن عمر ورد عنه الأمر بالقضاء .
و أجيب : بأن زيداً ثقة ، والظاهر من حال الثقة الإصابة .
 4- ما ورد أن عمر بن الخطاب أفطر في رمضان في يوم غيم ، و رأى أنه قد أمسى و غابت الشمس ، فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس ، فقال عمر : الخطب يسير ، و قد اجتهدنا .
و نوقش : بأن المراد بقوله : الخطب يسير ، أي : القضاء .
و أجيب : بالمنع ، بل المراد بقوله : الخطب يسير ، أي عدم وجوب القضاء بدليل قوله بعد ذلك : و قد اجتهدنا ، لأن المجتهد إذا أصاب له أجران ، و إن أخطأ له أجر اجتهاده ، و خطؤه مرفوع .
الفرع الثاني : أن لا يتبين له شيء . 
الراجح والله أعلم أنه لا قضاء عليه ، إذ إنه إذا تبين له عدم خروج الوقت لا قضاء عليه ، فإذا تبين له خروج الوقت من باب أولى . 
و الدليل على ذلك : - ما تقدم ذكره من الأدلة على أنه لا قضاء على من ظن خروج الوقت ، ثم تبين له عدم خروجه .
الفرع الثالث : أن يتبين له خروج الوقت . 
من أكل يظن غروب الشمس ، ثم تبين له غروبها ، فلا خلاف في أنه لا قضاء عليه .
و دليله : أنه أتم صيامه إلى الليل .
نكمل اليوم بإذن الله ما توقفنا عنده من أهم الأحكام المتعلقة بأوقات الصيام .
الفصل الثاني : وقت الاعتكاف . 

و فيه مباحث :- 
المبحث الأول : وقت الجواز . 
الراجح و الله أعلم ، أنه جائز في جميع الأوقات مطلقاً ، لأن الأصل عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{و أنتم عاكفون في المساجد}البقرة/187 .
وجه الدلالة : دلت الآية على مشروعية الاعتكاف في جميع الأوقات لعمومها .
 2 - أن الاعتكاف ليس من شرطه الصوم ، فيصح في جميع الأوقات بدليل : ما رواه ابن عمر ، أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية ، أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال له : أوف بنذرك .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث أن الاعتكاف مشروع بلا صوم ؛ لأن الليل ليس ظرفاً للصوم ، و لو كان الصوم شرطاً لما أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف ، و إذا كان الصوم ليس شرطاً في الاعتكاف ، دل على مشروعية الاعتكاف كل وقت .
و نوقش : بأنه مختلف في لفظه ، ففي رواية : ليلة ، و في رواية : يوماً .
و أجيب بأجوبة :-
الجواب الأول : أن هذا الاختلاف في ألفاظ الحديث محمول على تعدد القصة ، فيجوز أن يكون عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة وحدها فأمره به ، و سأله مرة عن اعتكاف يوم فأمره به .
و رد هذا الجواب : بالمنع إذ إن عمر رضي الله عنه إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة عام الفتح .
الجواب الثاني : أن رواية ليلة أرجح . بدليل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلة أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، فاعتكف ليلة . و هذا صريح في أنه إنما نذر ليلة .
و رد هذا الجواب : بأن الليالي تطلق ، و يراد بها الأيام استعمالاً فاشياً في اللغة لا ينكر .
و نوقش : بأن تأويل الليلة باليوم خلاف ظاهر الحديث ، و صرف للفظ عن ظاهره بلا دليل .
الجواب الثالث : على تسليم رواية : يوماً ، فهي دليل على عدم اشتراط الصوم إذ لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم .
 3 - ما روته عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه و فيه ترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف العشر الأول من شوال .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن الصوم ليس شرطاً للاعتكاف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ، و يوم العيد و العشرالأول من شوال ، و إذا كان كذلك فالاعتكاف جائز في كل الأوقات . 
و نوقش هذا الاستدلال بهذا الحديث من وجهين :-
الوجه الأول : أنه مختلف في لفظه ، ففي رواية : العشر الأول من شوال ، و في رواية : عشراً من شوال .
فلا صراحة فيه على دخول يوم العيد .
و أجيب : بأن قولها : عشراً من شوال ، مجمل ، إذ يحتمل أن تكون من أوله أو وسطه أو آخره ، فتحمل على المبين و هو قولها : العشر الأول من شوال ، و يكون المراد بالليالي هنا الأيام ، و هذا مما يكثر استعماله في اللغة العربية .
الوجه الثاني : أنه يصح أن يقال : اعتكف العشر الأول من شوال ، و يوم العيد ليس منها كما يقال : صام العشر الأول من شوال . بل الظاهر عدم دخول يوم العيد لاشتغاله بالخروج إلى صلاة العيد ، ثم رجوعه إلى منزله لفطره ، و في ذلك ذهاب بعض اليوم فلا يقوم اليوم مقام جميعه .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أنه لا يصح أن يقال : اعتكف العشر الأول ، ولا يكون يوم العيد منها أنه خلاف الظاهر ، وإنما صح أن يقال : صام العشر الأول ولا يكون يوم العيد منها ، لوجود الدليل على خروج يوم العيد وهو تحريم صيامه . و أما اشتغاله بالصلاة أول اليوم لا يمنع من اعتكافه بقية اليوم كما هو ظاهر الحديث كما يقال : قام ليلة القدر ، و إن كان قد أخل في بعضها .
الجواب الثاني : على تسليم أن يوم العيد ليس داخلاً في اعتكافه صلى الله عليه وسلم فالحديث دليل على عدم اشتراط الصوم لعدم نقله ، إذ لو صام النبي صلى الله عليه وسلم لنقل ، لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله .
 4- ما ورد أن علياً رضي الله عنه قال : المعتكف ليس عليه صوم إلاّ أن يشترط ذلك على نفسه .
 5- ما ورد أن ابن مسعود قال : المعتكف ليس عليه إلاّ أن يشترط ذلك على نفسه .
 6- ما ورد أن ابن عباس كان لا يرى على المعتكف صياماً إلاّ أن يجعله على نفسه .
 7- أنه عبادة مستقلة بنفسها ، فلم يكن الصوم شرطاً فيه كالحج و الجهاد .
 8- أنه لزوم مكان معين لطاعة الله ، فلم يكن الصوم شرطاً فيه كالرباط .
 9- أنه لو اعتكف أكثر من يوم يسمى معتكفاً ليلاً ونهاراً ، فلو اشترط الصوم لما صح الاعتكاف بالليل . الأصل ( 2 /203 - 214 ) .
المبحث الثاني : وقت الاستحباب .
و فيه مطالب :- 
المطلب الأول : بيان وقته . 
وقت الاعتكاف المستحب هو في شهر رمضان في العشر الأواخر منه .
قال ابن نجيم : أقسامه - أي الاعتكاف - ثلاثة واجب و هو المنذور ، و سنة و هو في العشر من رمضان ، و مستحب و هو في غير من الأزمنة .
و قال الدردير : و ندب الاعتكاف في رمضان لكونه سيد الشهور و بالعشر الأخير منه فهو مندوب ثالث .
وقال النووي : و أفضله - أي الاعتكاف - شهر رمضان ، و أفضله العشر الأواخر .
و في كشاف القناع : وآكده - أي الاعتكاف - في رمضان ، و آكده العشر الأخير منه .
الأدلة : 1- حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى و عشرين ، و هي الليلة التي يخرج من صيحتها من اعتكافه ، قال : من كان معتكفاً معي فليعتكف العشر الأواخر .
 2- حديث عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان .
 3- و لأن ليلة القدر ترجىفي أوتار العشر الأواخر .
المطلب الثاني : وقت دخول المعتكف . 
الراجح والله أعلم أنه من بعد صلاة الصبح ، لظاهر السنة في ذلك . 
و دليله : ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه . 
و هذا نص في محل النزاع .
و نوقش هذا الاستدلال بهذا الحديث من وجوه :-
الوجه الأول : أن معنى الحديث أنه انقطع في معتكفه ، و تخلى بنفسه بعد صلاة الصبح ، لا أن معنى ذلك 
كان وقت ابتداء اعتكافه ن بل كان ابتداؤه قبل الغروب لابثاً في جملة المسجد .
و أجيب : بأنه صرف للفظ عن ظاهره بلا دليل .
والوجه الثاني : أنه محمول على الجواز ، و إن كان وقت الاستحباب قبل الغروب .
و أجيب : أنه لو كان وقت الاستحباب قبل الغروب لما تأخر عنه النبي صلى الله عليه وسلم و لبادر إليه كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثالث : أنه محمول على أته يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح في اليوم العشرين ، ليستزيد يوماً قبل دخول العشر .
و أجيب بجوابين :-
الجواب الأول : أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم زيادة يوم على العشر الأواخر .
الجواب الثاني : أنه خلاف ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة أنه كان يعتكف العشر الأواخر فظاهره أنه كان لا يزيد عليها شيئاً .


المطلب الثالث : وقت الخروج من المعتكف . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : وقت الاستحباب . 
يستحب أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه إلى صلاة العيد .
و دليله :
1- أنه فعل السلف ، فعن الإمام مالك : أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس .
و قال مالك : و بلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا ، و هذا أحب ما سمعت إلىّ في ذلك .
 2- ما ورد أن أبا بكر بن عبد الرحمن اعتكف و كان لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين .
 3- و لكي يصل عبادة بعبادة .
المسألة الثانية : وقت الجواز . 
الراجح والله أعلم أنه من بعد غروب شمس ليلة العيد . 
و استدل لهذا الرأي : بأن العشر تزول بزوال الشهر ، و الشهر يزول بغروب الشمس من ليلة الفطر ، فجاز الخروج . الأصل ( 2/ 215 - 222 ) .
المبحث الثالث : وقت الاعتكاف لمن نذر أياماً .
و فيه مطالب :-
 المطلب الأول : من نذر اعتكاف يوم . 
الراجح والله أعلم أنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
و الدليل على ذلك : 1- قوله تعالى{و كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتموا الصيام إلى الليل}البقرة/187 .
وجه الدلالة : دلت الآية على أن اليوم يقع ما بين طلوع الفجر و غروب الشمس ، إذ هو وقت الصوم ، 
و قد نذر أن يعتكف يوماً ، فلزمه ذلك .
 2- من حيث اللغة أن اليوم اسم لبياض النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
المطلب الثاني : من نذر أن يعتكف يومين . 
الراجح والله أعلم أنه من طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمسه ، ثم يعود ثانية من طلوع فجر اليوم الثاني إلى غروب شمسه ، إلاّ إن شرط التتابع أو نواه ، فمن طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمس اليوم الثاني . 
و الدليل على ذلك : 1- أن اليوم اسم لبياض النهار فقط ، فلا تدخل الليلة المتخللة بين اليومين في وقت اعتكافهما ، إلاّ إذا نوى ذلك أو اشترطه .
 2- أنه زمان لا يتناوله نذره ، فلا يلزمه اعتكافه ، كليلة ما قبله و ما بعده .
المطلب الثالث : من نذر اعتكاف أكثر من يومين .
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : أن تكون معينة . 
و ذلك كأن يقول : لله أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان .
و الراجح والله أعلم أنه من غروب الشمس أول ليلة إلى غروب شمس آخر يوم .
و دليله : بأن وقت اعتكافه من غروب شمس أول ليلة إلى غروب شمس آخر يوم قياساً على ما لو نذر أن يعتكف شهراً لتعين هذه الأيام .
المسألة الثانية : أن تكون مطلقة . 
و ذلك كأن يقول : لله علي أن اعتكف عشرة أيام .
و الراجح والله أعلم أنه من طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمسه ، ثم يعود ثانية من طلوع فجر اليوم الثاني إلى غروب شمسه ، و هكذا . إلاّ إن اشترط التتابع ، أو نواه فمن طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمس آخر يوم . 
و الدليل على ذلك : 
1- أن الليالي زمان لا يتناوله نذره ، فلا تدخل في وقت اعتكافه كليلة ما قبله ، و كليلة ما بعده .
 2- أنه نذر أياماً فقط ، واليوم اسم لبياض النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، فلا تدخل الليلي في وقت اعتكافه ، لعدم ما يقتضي ذلك .
المطلب الرابع : من نذر اعتكاف شهر . 
و فيه مسألتان :- 
المسألة الأولى : أن يكون معيناً . 
و ذلك أن يقول : لله أن اعتكف شهر شوال . 
الراجح والله أعلم أنه من غروب شمس أول ليلة منه ، إلى غروب شمس آخر يوم ، سواء كان تاماً أم ناقصاً . 
و دليله : بأن الشهر يدخل بغروب شمس أول ليلة منه : بدليل حل الديون المعلقة ، و وقوع الطلاق والعتاق المعلقين .
المسألة الثانية : أن يكون مطلقاً . 
و ذلك كأن يقول : لله عليّ أن اعتكف شهراً .
و الراجح والله أعلم أنه إن اعتكف شهراً بالهلال ، فوقت الاعتكاف من دخول الشهر برؤية الهلال إلى خروج الشهر برؤية الهلال ، و إن اعتكف شهراً بالعدد ، فإنه من غروب الشمس ليلة أول يوم إلى غروب شمس آخر يوم . لعدم ما يوجب التتابع ؛ لأن الأصل براءة الذمة . و هذا بشرط أن ينوي التتابع ، أو يشترطه ؛ و إلا فإن الراجح أنه من طلوع فجر أول يوم إلى غروب شمسه ثم يعود ثانية و هكذا .
و دليله : بأن اللفظ مطلق عن قيد التتابع ، فيجري على إطلاقه ، فلا تدخل الليالي المتخللة بين الأيام في وقت اعتكافه . الأصل ( 2/ 223 - 236 ) .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

وتقبلوا تحيات أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..

Tidak ada komentar:

Posting Komentar